كتاب " عباءة حب " ، تأليف ماري رشو ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب عباءة حب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

عباءة حب
8
أصلي كي يبتعد طيفك عن خيالي. هذا الشوك المزروع في جنباتي، في كل خلية من خلاياي، أن يأتي من ينزع الوجع عني.
لماذا أحاسب نفسي وأنقلب عليها؟ لماذا أعاتب حاضري وأهرب إلى الماضي القريب تارة والبعيد تارة أخرى؟ هل لأن نعمة زارتني هذا الصباح؟ ما الذي سأقوله لها إن رأت صورتك في عيني؟ هل أستطيع إخفاء ما كانت تكتشفه من دون أن أبوح به؟ هل هي الثقة بي خلال عمر مضى؟ أو أنه الانطلاق من الذات.
لماذا أهرب من نفسي إلى نعمة؟ هل هو الهروب من مشاعر الخطأ والخطيئة معاً؟ هل لأنني أعيش فرحاً أتاني متأخراً؟ أم لأنني أرى ما أنا فيه مختلفاً؟ وأنا التي لا تعرف من الرجال سوى الزوج، وأنهل من المجتمع الطمأنينة، وأغرف من المحيط الثقة. لن أتّهم. لن يشار إليّ. لا أحد سيكتشف ما بي. في وقت أدرك تماماً أنني لست في موضعي، وأنني في حالة قصوى من الهيام، حالة مليئة بالتساؤلات، تشبه التوق والرغبة والاندفاع، تكبّل الجسد وتسوق به إلى عالم مجهول، عالم تبحث في تفاصيله عن الارتواء، أمور مبهرة! لكنها لا تحمل القيمة التي في الحلم والذاكرة.
ما أنا فيه يزيدني اتهاماً، تستيقظ ذاكرتي، أخجل. أواري وجهي، أهرب إلى داخلي، أقرر، أتراجع، لا أفكر، أنسى وأتذكر أمراً واحداً، متى ستأتي؟
تأتي حاملاً التجاهل، تنهمك بزوجي، تنظر إلى ساعتك، أنتما على عجل، تسترق لحظة هاربة، ترميني بنظرة، أعرف أنك تريدني.
أعرف كيف أخفي مشاعري، لكنك تعرف الغوص إلى أعماقي، هل يهم هذا؟ هل يهم هذا الاكتشاف؟ هذا أقصى ما كنت تريده تلك الأيام، على عكس ما كنت تخطط له في أيام أخر.
ها أنت تقف مبتسماً، تتكئ على جدار المدخل ببزتك البيضاء، أكتشف قامتك وهي تزداد فتوة، أصطنع التجاهل، أغيب وفي عيني صورة لتفاصيل وجهك المشرق، وفي ركن صغير أستطيع رسم كل خلية فيك، أسترق ألوان البحر والغابات، وأمطر من السماء نجوماً، وأشم عبق عطرك المفضل، وأجر قدمي نحو آخر خطوة لك، وأنت تبتعد بصحبة زوجي إلى أي مكان.
ما أنا فيه لا علاقة له بما في الذاكرة، لا علاقة له بالحب الذي كان، فهل للحب أكثر من وجه؟ كيف تتحول الأشياء وتنقلب المقاييس؟ كيف تصبح التفاصيل سوطاً يجرح الوقت، وعاصفة تهيج السكون، ودماً يعبث في النبض ويوقظ في الجسد الأمنيات.
غبت ولم تغب، وطالت غيبتك التي عشتها دهراً، فأراك هنا أو هناك، أسمع صوتك يعبر سمع زوجي إليّ، أجفل وأبحث عن مخرج، أشعر بخطواتي تقودني إلى لا شيء، إلى لا مكان، أصبح خاوية أو بلا انتماء، أو أنني أسقط في فراغ، وأفاجأ بتزاحم الأسئلة في رأسي، هل كنت تتعمّد إطالة غيابك، أو أردت إخضاعي للامتحان؟
ما الذي كنت تخطط له، وأنا أرى أشياء وأتلمس أشياء؟
تلك الرابطة التي تجمعني بزوجي، والتي دخلت مرحلة الركود من جهة، وبين انسياقي نحو المجهول من جهة ثانية.
كيف لم يلحظ ابني ذلك؟ وكيف لم يعرف زوجي ما أنا فيه؟ هل كنت تعرف أنت؟ وهل استطعت أنا وبمزيد من الانتباه، إخفاء صورتي الجديدة، وما يعتمل في داخلي؟ هل كنت تجهل حقيقة مشاعري؟
هل هو الشر الذي يتسلّى بالبشر؟ كيف يعرف الشر الطريق؟ وهل تكفي بضعة لقاءات، أو بضع كلمات لتحقيق الحلم؟ هل يحلم الشر كالبشر؟ بالنسبة إلي، نسيت الأمس والغد، وسقطت في اللحظة، أسمع ضربات قلبي، وتعصف ألوانك بي، ولا أدري هل كنت منتشية أم كنت أواري خجلي؟ هل عدت إلى مراهقتي الأولى، أم أنني أعد الخطوط فوق جبيني وحول عيني؟ هل أسترسل في الحلم وأنسى، أم أبتر يقظتي وأفراح قلبي؟
وجهان نقيضان ما بين الظاهر والخفاء، أمران يتناوبان الأمكنة والمواقع، أتلمس وجودهما واختلافهما وعدم التقائهما، فلم يحدث أن انعكس ما في أعماقي على صورتي، أو طافت أحلامي فوق تعابير وجهي؛ شعوران يتحركان، تارة إلى الخلف وأخرى نحو الأمام، يتوازيان في السرعة والمسافات، لكنهما لا يتوحّدان، وكأنني أهرول معهما، أدفع ضرائب الفرح، إن كان في النور أو في العتمة.
في لحظة لا صفة لها، تأسرني نسمة أو يبهرني صوت، شيء ما ينقلني إلى أماكن لا تخلو من عذوبة، أصبح أكثر جمالاً ونقاء، وأعرف أن وجودك جدّد حياتي ولا أعرف ما يترتب عليّ لقاء ذلك، هل أقدم الشكر أم أنهج السخط؟ ماذا أنقل بهجتي أو استيائي؟ قرار بين أن أسمعك صوتي مستقبلاً أو مودعاً، راضياً أو ناقماً، قرار بين أن أهتف إليك أو أتراجع، غير أن كل الأحاديث تموت قبل أن تبتدئ، فما الذي سأقوله لك؟ ما الذي سأنقله إليك؟
لم ينتبه زوجي إلى هزالي، أما ابني فألمح إلى تصرفات أبيه التي تغيرت. لم يعد يسألنا عن أمر، أو يفكر بنا، وبقدر مشاعر الذنب أحسست بالراحة، فقد أصبحت في عيني ابني امرأة مقهورة، ستتحول بين يوم وآخر إلى امرأة هجرها الزوج، لم يعد يهمني أمر، سوى أن أخفي عوارض ما يعتمل في نفسي وأعماقي.
أكدت له أن الأمر لا يستحق التفكير. كنت في اللاشعور لا أهتم إلا بك، أصبحت محور عالمي، الذي يحتاج إلى مزيد من الدراية.