كتاب " سنونوات كابول " ، تأليف ياسمينة خضرا ترجمه إلى العربية محمد ساري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2007 ، ومما جاء في مقدمة الكتا
قراءة كتاب سنونوات كابول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
هزّ عتيق كتفيه. إن مرزا شاه صديق طفولته. كَبُرا معاً في حيّ متواضع وقد عرفا الأشخاص أنفسهم والأماكن نفسها. اشتغل والداهما في معمل صغير للزجاج. وكانا مثقلين بالهموم التي صرَفَتهما عن الاهتمام بالطفلين. فمن الطبيعي إذاً أن يتَجَنّد مِرْزا في الجيش عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره، فيما مارس عتيق مهنة سائق بديل بقرب صاحب شاحنة قبل أن يجرّب عدداً هائلاً من المهن الصغرى التي تكسبه في النهار ما تسحبه منه الليالي. افترق الصديقان إلى غاية احتلال الروس للبلد. كان مرزا شاه من أوائل العساكر الذين هربوا من وحداتهم للانضمام إلى صفوف المجاهدين. وبفضل شجاعته والتزامه، تدرّج بسرعة إلى أن أصبح برتبة "تاج". التقى به عتيق في الجبهة وعمل تحت قيادته بعض الوقت قبل أن توقف قذيفة اندفاع جهاده. نقل إلى بيشاوَر للإسعاف. واصل مرزا الحرب بتفان عجيب، وبعد انسحاب القوات السوفييتية، تلقى اقتراحات لتولي مسؤوليات في الإدارة ولكنه رفضها. لم تكن تغريه السياسة ولا السلطة، لكنه بفضل علاقاته، أنشأ مؤسسات صغيرة استعملها لتمويه وتغطية استثماراته الموازية، وبالأخص في التهريب وتجارة المخدرات. لقد قلّل وصول الطالبان إلى السلطة من حماسه الفياض دون أن يفكّك شبكاته، حيث تطوّع بالتضحية بعدد من حافلاته وبعض الأشياء الأخرى غير ذات قيمة في سبيل القضية، كما ساهم بطريقته في جهود الحرب التي يخوضها الحثالة المبشرون بالخلاص ضد رفاقه القدامى في السلاح ونجح في الحفاظ على امتيازاته. يعرف مرزا أن إيمان بائس قلّ ما يقاوم إغراءات الربح السريع؛ لهذا فإنه لا يتوانى عن تقديم الهدايا والعمولات لأسياد البلد الجدد، فتمكّن هكذا من قضاء أيام هادئة وسط الإعصار. مرات عديدة، اقترح على صديقه الدائم أن يشتغل لصالحه. ولكن عتيق كان يتملّص من العرض بانتظام، مفضلاً البؤس في الحياة الدنيا الزائلة عوض عذاب جهنم الخالدة.
أدار مِرزَا سبحته حول أصابعه وهو يتفرّس في سحنة صديقه. تحرّج هذا الأخير فتظاهر بالانشغال بأظافره.
- ما هو الشيء الذي يقلقك يا حارس المساجين؟
- إنني أتساءل.
- أمِن أجل هذا كنت تحدث نفسك قبل قليل؟
- ربّما.
- ألم تجد أحداً للحديث معه؟
- هل هذا ضروري؟
- على حسب سريان الأمور، لِمَ لا؟ كنتَ غارقاً في همومك إلى حدّ لم ترَ وصول العربة. حينها، قلت مع نفسي أن عتيق، إما أنه بدأ يفقد عقله، أم أنه يخطّط لانقلاب عسكري خطير...
أوقفه عتيق بضجر ظاهر:
- احذَر مما تقول. يمكن أن يؤخذ كلامك مأخذ الجدّ.
- أريد التنكيد عليك قليلاً.
- أنت تعرف بأن مثل هذا النوع من المزاح لا مجال له من الإعراب في كابول.
ببطء، ربّت مرزا بكفه على ظهر يد صديقه كي يهدِّئه.
- يا رجل، أنسيت بأننا أصدقاء أعزاء منذ الطفولة؟
- المغامرون لا ذاكرة لهم.
- لم نكن نخفي شيئاً عن بعضنا البعض.
- لم يعد الأمر ممكناً اليوم.
تشنّجت يد مرزا.


