كتاب " مذكرات أبو فريد " ، تأليف اسبر البيطار ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب مذكرات أبو فريد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مذكرات أبو فريد
في مدرسة القلبين الأقدسين:
لم تكن في قريتنا سوى مدرسة للراهبات، وأعتقد بانها بُنيت في سنة 1922 مع قدوم بعثات فرنسا اليسوعية، حيث كانت تلك المدارس تأسست في القرى ذات الطابع الماروني.
كنت من الأوائل دائماً، ولم أسجّل نتيجة الدرجة الثانية ولا مرة طيلة حياتي الدراسية، بل كنت الأول في جميع الأشياء، بما فيه المقالب والاعمال العشائرية كالغزو والسطو على املاك الغيرّ حيث كنت أنتمي "لعصابة" من شباب العائلة، وكان ترتيبي الثالث من حيث العمر. ولقد كان ابن خالي الياس اكبرنا سناً وهو الريّس طبعاً وبعده شاهين ثم أنا. ولكنني لم أتخلّّ عن ترتيبي الأول في العمل، أي نوع من العمل، سلبياً كان أو إيجابياً، حيث كان يوجد في المدرسة كل نهار اثنين محاسبة عما صنعه كل منّا من "سيئات" أو ردود على شكاوى من أهالي القرية المتضررين من اعمالنا، خلال فترة الاستراحة الاسبوعية "السبت والأحد" وفرصة الأعياد.
ترتيبي الاول كان يزعجني في معظم الأحيان حتى أنني كنت أول من يحاسَب نهار الاثنين لشقاوتي حيث لقبتني الراهبة المعلمة بشيطان ماربولا، ومراراً كانت تقول لي: شيطان بيت اسبر، وهذان اللقبان رافقاني مدة طويلة، وحتى الآن لا يزال بعض رفاقي في الصف يذكّرونني بلقبي الشيطاني.
لائحة الشكاوى:
ولا مرة كانت لائحة الشكاوى نهار الاثنين تُعلن إلا وكان اسمي هو الأول، فتنادي الراهبة شيطان مار بولا أو شيطان بيت إسبر، حسبما يخطر على بالها، ويظهر أنّ الشيطانين متساويان في نظرها. طبعاً كان الجواب بالفرنسية present ma soeur . حاضر يا أختي: "لماذا صنعت كذا"؟ و"لماذا صنعت كذا"؟، وتعدّد الشكاوى وأنا أعددها وراءها، وفي معظم الأحيان كنت أشكر الله على أنّ معظم شيطناتي كانت غير معروفة أو أنها لم تصل. فأبدأ بالدفاع والقسم، وكان القسم بالله ممنوعاً عند الراهبات، فالقسم هو كلمة: بالصدق يا مسير ما عملت شيء. وكانت تحمل الطبشة، وهي "عصا من خشب مبسطة مخصصة لضرب المقاصصين" صارخة في وجهي: "اشلاح" من إجرك واركع على البنك! في الايام الجميلة لم نكن ننتعل احذية إلا قصراً، والى المدرسة فقط. فكنت أطيع ولكن متمهلاً في فك الحذاء الذي كنت أنتعله كل نهار اثنين إلى المدرسة، ولكنني كنت احسب حساب العقاب، فأربط الشريط عقدة بدلاً من أنشوطة، وهذا العمل كان يساعدني على تأجيل العقاب وأصيح "يا مسير مش عم يفك معي الشريط!".. وهنا كانت تثور ثائرة الراهبة وتبدأ الضرب على اي جزء من جسمي، فأبدأ بالصراخ والاستغاثة والركض في باحة المدرسة إلى أن أنال ما تعتبره الراهبة حصتي من القصاص. وكنت بعكس شاهين ابن عمتي الذي كان يفتح يديه الاثنتين ويقول للراهبة بصوته المرجّل باكراً: "ضْربي حتى تشبعي". وكانت الطبشة تعلو وتهبط على يدي شاهين بكل ما أوتيت الراهبة من قوة، وعبثاً كان يصرخ أو يرف له جفن، وفي معظم الأحيان كانت تنكسر الطبشة ولا ينكسر شاهين، لأنه كان يتمتع بقوة جسدية وقوة احتمال غريبين، ولا اذكر أنني سمعته طيلة حياتي بأنه تفوّه بكلمة آخ لا قتالاً ولا حرقاً. وإني لا أزال حتى الآن أحترم تلك الرجولة المبكرة والتي رافقته طيلة حياته حيث كان دائماً قليل الكلام وكثير العمل وغير متألم على الرغم من أنه ذاق الأمرين في شبابه. وهكذا كنّا كل نهار اثنين أو اليوم الذي يلي نهاية الفرص المدرسية نستعد للعقاب فلقاً من الراهبة.