أنت هنا

قراءة كتاب الإنقلاب الشعبي في الوطن العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإنقلاب الشعبي في الوطن العربي

الإنقلاب الشعبي في الوطن العربي

كتاب " الإنقلاب الشعبي في الوطن العربي " ، تأليف د. سمير التنير ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 8

في مصر.. الشعب أراد (6)

عن الطائفية في مصر

تعرضت وتتعرض مصر في الوقت الراهن لأعمال عنف طائفية ضد الأقباط. وتتخذ قوات الأمن تدابير للتدخل في محاولة للحد منها. وتشهد الساحة الثقافية المصرية جدلاً واسعاً حول طبيعة هذه الظاهرة التي يتعرض لها المجتمع المصري. ويجهد الكُتّاب والمثقفون المصريون في توصيف الظاهرة وكيفية التغلب عليها للحفاظ على وحدة مصر الوطنية، التي لم تكن معرضة للقضاء عليها، كما هي معرضة اليوم.

يظهر مصطلح «الفتنة الطائفية» في التعبير عن الاعتداءات المتكررة التي يقوم بها بعض المتعصبين المسلمين ضد الأقباط. إلا أن هذا المصطلح لم يلق قبولاً لدى العديد من الكُتّاب والمثقفين المصريين مؤكدين على عدم صلاحية هذا المصطلح، لأن القاعدة العريضة لاتزال بعيدة عن هذه الحوادث، بل وترفضها. وقد تصدرت الاجتهادات في هذا الصدد، حيث رأى بعض الكُتّاب أن ما تتعرض له مصر، هو عبارة عن أعمال عنف تقوم بها فئة من الشباب الصِّغار السن ويفتقد للوعي الديني الصحيح.

وأياً كان الأمر فإن ما تشهده مصر لا يخلو من ملامح فتنة طائفية، حيث أن عنف هذه الجماعات موجه أساساً ضد الأقباط. ويمكن القول إن ما تشهده مصر من حوادث طائفية في الوقت الراهن تعود جذورها إلى مطلع السبعينيات من القرن العشرين عندما تولى أنور السادات مقاليد السلطة خلفاً للزعيم الراحل جمال عبد الناصر؛ حيث وجد السادات أن الجماعات والحركات اليسارية والناصرية تتمتع بشعبية واسعة، لاسيما في الجامعات المصرية. ووصل السادات إلى فكرة مؤداها ضرورة إيجاد حركة منظمة تتمكن (من خلال توفير الدعم والرعاية من السلطة) من مواجهة قوى اليسار والقوى الناصرية، فوجد ضالته في الجماعات الأصولية الإسلامية. فكان السماح بالوجود، وكان الدعم المالي والإمداد بالسلاح. ومن هنا بدأت الجامعات المصرية تشهد الوجود المكثف للجماعة الإسلامية، كما شهد المجتمع المصري قيام جماعات أصولية سرية بأعمال عنف ضد كنائس الأقباط وممتلكاتهم.

لقد شهدت سنوات السبعينيات من القرن العشرين تراجعاً عن تثبيت دعائم الدولة المدنية وأيضاً عن تكريس مفهوم الوطن والمواطنة. وقد شهدت تلك الفترة أيضاً الانتكاسة الكبرى للديموقراطية بسبب اتجاهات السلطة السياسية الرامية إلى تصعيد نمو القوى الإسلامية، الأمر الذي ساهم في صبغ المناخ الفكري والسياسي العام بصبغة دينية، كما أن عملية التحول التي قادها النظام السياسي في السبعينيات من القرن الماضي للتحول من التنظيم السياسي الواحد إلى التعددية الحزبية قد لعبت دوراً هاماً في المجتمع على حساب باقي القوى السياسية. كما أصبح الإسلام السياسي إحدى الركائز الأساسية في استراتيجية النظام لتدعيم مركزه، في عملية الصراع على السلطة التي سادت في ذلك الوقت. ولذلك بدأت عملية التحول الديموقراطي التي قادها نظام السبعينيات بإعطاء مساحة أكبر للاتجاه الديني في الحياة السياسية، ولكن دون السماح للقوى السياسية المعبرة عنه بالتحول إلى حزب سياسي معارض للنظام حتى لا تؤثر على الشرعية التي ارتكز عليها. (لا تزال جماعة الإخوان المسلمين تعمل دون ترخيص رسمي كحزب سياسي). من هنا بدأت عناصر الصراع بين الجانبين تتشكل حول شرعية التحدث باسم «الإسلام». وانعكس ذلك على سياسات الدولة كافةً، وفي مختلف المجالات، خاصة الإعلامية منها، والتي تلعب الدور الأول في تشكيل الوعي الجماهيري.

وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى ثلاثة عوامل ساهمت مساهمة قوية في زيادة عوامل التنشئة الدينية في المجتمع وهي: أولاً، الموقف الغامض للدولة تجاه الدولة الدينية والدولة المدنية، والذي أبرزه الدستور بحيث لجأ إلى صيغة توافقية بين الاثنين مما عمق التناقض والارتباك على مستوى السياسات؛ وثانياً، غياب الإجماع في صفوف النخبة حول القِيم الأساسية التي تحكم التجربة السياسية والتي تنعكس بشكل حاد في المواجهة المستمرة بين القِيم المدنية والقِيم الدينية؛ وثالثاً، الممارسة الحزبية، حيث اتسمت الأحزاب السياسية المصرية بالعجز الداخلي ومحدودية القدرة على خلق قواعد جماهيرية أو تقديم أفكار ورؤى جديدة مما يجعلها تعتمد في وجودها واستمرارها إما على السلطة أو المناورة بعقد تحالفات مع التيار الديني وهو ما صبغ الممارسة الحزبية في النهاية بصبغة دينية واضحة، لم تنعكس في تحالفات هذه الأحزاب فقط وإنما أيضاً في برامجها وخطابها السياسي.

وإذا أخذنا نموذجاً للاضطرابات الطائفية في مصر وهي محافظة المنيا التي جرت في عام 2007 لرأينا أن التعصب الديني ليس هو السبب الوحيد في استعار الفتنة الطائفية، إذ يدخل في الأسباب تغير التركيبة السكانية والظروف الاقتصادية. فقرية «دير جبل الطير» التي وقعت فيها الأحداث، كانت قرية قبطية بالكامل، وكانت كل منازل القرية تعلوها الصلبان، وبالقرب منها تقع قرية أخرى يقطنها مسلمون تسمى «نزلة العابد»، وشرارة الفتنة كانت بين المسلمين والأقباط على خلفية النزاع على قطعة أرض عند سفح الجبل تبلغ مساحتها 5 أفدنة. وبالرغم من أنها لا تصلح لبناء منازل إلا أن أهالي قرية «نزلة العابد» المسلمين كانوا يستغلونها لتخزين الحبوب، وكانوا يأملون في بناء منازل لهم تطل على نهر النيل. وهو ما لم يُرضِ الأقباط بسبب اقتراب هذه الأرض من مدافنهم.

وتعود أسباب العنف في محافظة المنيا في السنوات العشر الأخيرة تحديداً لمجموعة أسباب سياسية في مقدمتها معدل الأمية الذي وصل إلى 48 بالمئة بين الإناث و38 بالمئة بين الذكور، وهي نسبة عالية جداً، بالإضافة إلى معدل البطالة الذي وصل إلى 10 بالمئة. والمنيا فيها ما يقرب من 200 ألف عاطل عن العمل. أما السبب الثالث فكان الفقر والذي بلغ 24 بالمئة وهو أعلى من المعدل العام في مصر. هذا إلى جانب وجود 600 ألف مواطن يعيشون تحت خط الفقر. بالإضافة إلى ذلك استمرت الموروثات الثقافية والتقليدية والتي ساهمت في انخفاض الوعي، مما زاد في معدل الجرائم تحقيقاً لعادة الثأر.

وقد وقعت أخيراً حادثة عنف طائفي بشعة في ليلة عيد الميلاد (وفق التقويم الشرقي) في مدينة نجع حمادي في صعيد مصر. ووقع بنتيجتها 6 من المواطنين الأقباط ضحية لقتل على الهوية. وتشير تلك الحادثة إلى ارتفاع العنف الطائفي إلى مستويات جديدة لم يسبق لها مثيل، وذلك نتيجة الشحن الطائفي الذي تقوم به فضائيات خاصة تروج للإقصاء الديني، مما يدل على وجود متعصبين على كلا الجانبين.

تتحمل الحكومة المصرية جانباً كبيراً من المسؤولية عن تصاعد العنف الطائفي بسبب قوانينها الدستورية أولاً، وتأخر قوى الأمن في منع حوادث العنف الطائفي، وإيقاف الممارسات التمييزية بحق الأقباط ثانياً، وإعلاء فكرة المواطنة والتصرف وفقاً لذلك في جميع الظروف والأحوال.

الصفحات