كتاب " تموز سراج الهداية " ، تأليف إدمون صعب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
سنابل الحرّية
هذه حزمة سنابل من حقل تموز.
أنت هنا
قراءة كتاب تموز سراج الهداية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

تموز سراج الهداية
لقمة الاغتراب المغمّسة بالدم:
إمبراطورية» لا تغيب عنها الشمس
«(...) وإننا نناضل من أجل إقامة وطن للمسيحيين
(...) ولكل الذين يرغبون في ذلك» .
بشير الجميل
(في خطاب عام 1982)
يغرق لبنانيون كثيرون في الحزن على ضحايا «طائرة الموت» الأثيوبية التي خطفت أرواح أكثر من 90 راكباً فجر الأحد ـ الإثنين، بينهم 54 لبنانياً معظمهم من الشيعة الجنوبيين، ومعهم عدد من المسيحيين والسنة والدروز وقد قذف بهم وطنهم إلى أبعد المهاجر وأظلمها، حيث يحاولون الهرب من الموت الذي يتربص بهم باستمرار في قارة تجتاحها الحروب الأهلية ولم يذق أهلها طعم السلام منذ بدأ يجلو عنها الاستعمار. كما تطاردهم إسرائيل لقطع رزقهم بعدما أذاقوها مرّ الهزيمة في حرب تموز التي سقط فيها أكثر من 1300 شهيد بين الجنوب والضاحية، حزن عليهم لبنانيون كثيرون، ولكن ليس جميع اللبنانيين مع أنهم قريبون إليهم في لحمهم ودمهم!
نقول إن ضحايا الطائرة من اللبنانيين خصوصاً، لم تحظ بحزن وطني جامع نظراً إلى أن هؤلاء قد فقدوا «الحس الوطني المشترك»، كما يسميه بعض الباحثين في علمي الاجتماع والنفس، منذ بداية الحرب اللبنانية عام 1975، وربما قبلها، حيث كل عنزة تعلقت بـ«كرعوبها». إذ قال مسيحيون لأهل لهم بعد انحياز السنّة إلى الفلسطينيين، «ما عاد ينعاش مع السنة»! ثم جاءت حرب الجبل عام 1983 فقال مسيحيون آخرون لأهل لهم: «ما عاد ينعاش مع الدروز»!
وبعد حرب تموز وأحداث 7 أيار في بيروت واستمرار المقاومة في حمل السلاح بعد انسحاب الإسرائيليين من الجنوب في 24 أيار 2000، قال مسيحيون، غالبيتهم مارونية لأهل لهم: «ما عاد ينعاش مع الشيعة»!
ومع فقدان التضامن الذي دعا إليه «الإرشاد الرسولي» والحس المشترك «للبنان التاريخي«، ارتخت الأرض تحت أقدام المسيحيين الذين يشكلون العدد الأكبر في «الدياسبورا» اللبنانية ففصلوا بين الأرض والوطن وراحوا يبيعون الأرض التي تحولت مساحة تقاس بالأمتار فحسب، ويغادرون الوطن بأعداد كبيرة قدرت بين منتصف الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي بأكثر من 80 ألف مواطن سنوياً، وانتشروا في أنحاء العالم «إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس»، لها كنائسها ومدارسها وأديارها...
وهكذا انكسرت صورة الوطن الواحد والشعب الواحد، وغدا العيش المشترك الذي نتغنى به اليوم أسطورة، والبعض يقول «تكاذباً مشتركاً» نظراً إلى انعدام العامل المشترك بين اللبنانيين.من هنا كان الحزن على ضحايا الطائرة جزئياً، وفئوياً. إذ من اللحظة الأولى التي أعلن فيها النبأ الفاجعة، سارع كل فريق إلى معرفة الهوية الطائفية، بل المذهبية، للركاب مما «خفّف» وطأة الحزن في بعض الأوساط وحصره في قرى وبلدات وعائلات معينة.
وهذا لعمري هو الخطر الذي يتربص بالوطن فيبدو مثل الطائرة الأثيــــوبية معرّضاً للسقوط في قاع البحر من دون أن يكون هناك إمكان لانتشال ولو كائناً حياً واحداً من الأعماق.
وإن كــــل ما يمكن انتــــشاله أشلاء، أو أجساد مشوهة مـــن دون رؤوس، أو أعضـــاء مشلّعة قد لا تتوصـــل اختبارات الحمـــض النووي إلى تحديد هويات أصحابها.
لذلك كانت دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، في إطار بناء «طائرة» آمنة، مقاومة للأخطار والأنواء والعواصف تعيد مواطنين هجروا وطناً طارداً لهم، إلى وطن جاذب لأبنائه، يطمئن المقيمين فيه إلى مستقبلهم، ويحضن المغتربين ويحفظ لهم «مرقد العنزة» إلى الأبد.
وكم كانت مصادفة رائعة أن تعرض إحدى الهيئات المسيحية مسألة بيع الأراضي في كسروان وبعبدا والمتن، أبرز المعاقل المارونية، لمالكين خليجيين سعوديين أولاً، ثم كويتيين فإماراتيين، في الأسبوع الذي كان يتعرض فيه اقتراح الرئيس بري في شأن تأليف الهيئة لنوع من الإرهاب، خصوصاً من جانب فريق من المسيحيين، علماً أن المسلمين كانوا صرحوا أكثر من مرة بأنهم ضد إلغاء الطائفية السياسية إلا أنهم لا يعارضون البحث فيها لأنها واجب دستوري فرضه اتفاق الطائف الذي حاز إجماعاً مسيحياً ـ إسلامياً، وهذا ما طرحه الرئيس بري.
ففي المؤتمر الصحفي الذي عقده الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في 30 تشرين الثاني الماضي لإعلان وثيقة الحزب، سئل عن «السبيل لإلغاء الطائفية السياسية من دون أي مشاكل في لبنان». فأجاب: «لنكن واقعيين. إلغاء الطائفية السياسية من أصعب الأمور. وللأسف الشديد فإن كثيراً ممن نادوا وينادون بإلغاء الطائفية السياسية ليسوا جادين في هذا الأمر. ويطلقونه كشعار سياسي كي يقولوا إننا منفتحون وحضاريون وكل ما شاكل (...) وفي كل الأحوال الدعوة التي وجهها الرئيس نبيه بري لتشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية استفزت البعض. ولا داعي لأن نستفز هذا البعض، لأننا عندما نقول بتشكيل مثل هذه الهيئة فلا يعني ذلك أننا ألغيناها. إذ يمكن أن يظل الحوار حول سبل إلغاء الطائفية السياسية خمس سنين أو عشر سنين أو عشرين أو ثلاثين سنة، الله أعلم. في النهاية لا أحد يقدر أن يقول كيف يمكن إلغاء الطائفية السياسية. يجب أن نجلس مع بعض ونتكلم بصراحة عن مخاوفنا وهواجسنا والتطمينات والضمانات. وكيف نقوم بالإلغاء. وممكن بعد نقاش طويل وعريض لا نضحك فيه على بعضنا البعض أن نصل إلى نتاج مفاده أن ما اتفق عليه في الطائف في هذه النقطة لا يمكن تحقيقه، فلا يمكن إلغاء الطائفية السياسية. إذاً فلنحافظ على النظام الطائفي، ولكن فلنحاول أن نصلح هذا النظام أو نعدّله أو نطوّره أو نحدّثه حتى لا نظل حيث نحن. وإن الخطوة الطبيعية في اتجاه هذا الهدف هي هــــيئة وطنية عليا تجلس وتحاور وتناقش بهدوء ومن دون ضغط أو عجلة. هذا الأمر هو الأساسي والحيوي».
وقد يكون أهم ما قاله نصر الله في مؤتمره الصحفي، وتجاهله الإعلام أو لم «يلتقطه»، هو جوابه عن سؤال يتعلق بنهائية الكيان اللبناني وبرأيه في أن لبنان «رسالة»، بفضل العيش المشترك الذي أدرج في مقدمة الدستور وجعل مقياساً للشرعية: «إن لبنان أكثر من رسالة، إنه نعمة». وأشار إلى ان لبنان بالنسبة إليه وإلى الشـــــيعة هو الأرض التـــي تضم رفات الشهداء والأجداد. لذلك تصبح مقدسة تستحق بذل الأرواح في سبيلها.

