أنت هنا

قراءة كتاب نساء في مهب الحب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نساء في مهب الحب

نساء في مهب الحب

كتاب " نساء في مهب الحب " ، تأليف غيداء طالب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ووما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

أشرقت شمسها ذلك الصباح من بين جدران المطار... من ممراته التي لا يبدو لها اليوم نهاية، ومن زوايا قاعاته المرتقبة بصمت. كانت تنتظر وصوله بلهفةٍ واضحة، فاضحة، ومربكة وكأن جميع الحاضرين معها في تلك القاعة، يتابعون أحداث قصتهما بشغف. كأنهم يقرأون بين سطور أفكارها جنوناً منَكَّهاً برغبةٍ شرسة، ويتوقعون بين لحظةٍ وأخرى انفجاراً عاطفياً زُرعَت عبواته في أعماق عينيها.

إنه الانتظار... داخل أسوار الوقت... وازدواجية الشعور... وتراكم الأفكار... فيا ليته يدري ماذا تفعل بها لحظات انتظاره. كيف تشعلها، كيف تحرقها وكيف تنهيها... في عتمة عينيه... عيناه... هل هذه عيناه؟ تطلان من بعيدٍ كفجرٍ وليد؟ أيعقل أن يكون هو؟ وهل هذا بريق طلته؟ كانت عيناه تبحثان عنها في زحمة الوجوه... وسرعان ما اهتدى القلب إليها...

أقبلت عليه ووقفت في دائرة استكشافاته الأولية. مصافحةٌ خجولة وباقة ورودٍ مخملية أتعبها الانتظار... كلماتٌ قليلة وبعض خطواتٍ في ممرٍّ عابقٍ بنسمات عطره. لم يكن عطراً مألوفاً بالنسبة إليها، لكنه عطرٌ يشبهه إلى حدٍّ بعيد، دافئ كلون عينيه، جذابٌ وجريءٌ حد الجنون...

كانت تمشي بمحاذاة صمته، مذهولةً بطول قامته، مأخوذةً بابتسامته المربكة، وهي تحاول أن تقرأ في عينيه كل الأفكار التي خطرت بباله لحظة رآها. فلم يكن لرد فعله دلالاتٌ واضحة. لم تشعر بانبهاره الذي كانت تحلم به، ولا باللهفة المجنونة التي كانت تتوقعها منه...

كان يبدو لها هادئاً، ومتماسكاً، فيما ترتعش هي فرحاً وخوفاً وشوقاً، من رأسها إلى أخمص قدميها.

استقل معها سيارتها الصغيرة واتجها نحو المنزل. كانت نسائم الصباح الباردة تتغلغل فيهما، وتنعش حديثاً بدأ تواً، متقطع الأوصال. فغالباً ما تكون حالة الطقس هي المخرج الأفضل والأسلم عندما نعلق في نفق الأحاديث المرتبكة، مع شخصٍ لا نعرف كيف نمسك بخيط أفكاره.

بدا لها مستمتعاً بما حوله، مذهولاً بالمظاهرالأوروبية الحضارية التي لا تجمعنا بها أية قواسم مشتركة. كان يحدثها عن الواقع الذي يعيشه العرب عموماً بكثيرٍ من الحزن، ويحوك المقارنات بسخريةٍ مؤلمة.

ثم... حطت العربة رحالها أمام المنزل بتوقيتٍ صباحيّ شتوي.

كانت تسكن في الطابق الثاني، شقةً صغيرةً يؤثثها الدفء البنفسجي الهادئ وذوقٌ نسائي بامتياز. كانت اللوحات تعتلي جدران الصالة، وورودٌ ربيعيةٌ تتوزع في الزوايا، وتكسر صمت الوحدة.

جلس على الأريكة المقابلة لها، على مسافةٍ كافيةٍ لرصد ارتباكها، وراح يتأمل بهجتها وهي تعدّ له وجبة الفطور. قامةٌ قصيرة ونحيلةٌ، شعرٌ عربيٌّ بسواده الكثيف، ووجنتان لونهما الخجل من نظراته التي كانت تتفحصها نقطةً نقطة...

كانت تتمتع بوجهٍ هادئ الملامح، خالٍ إلى حدٍّ ما من أي شحناتٍ خطرة أو ذبذباتٍ جاذبة قد تتسبب مثلاً بانقطاع نفسٍ ذكوري، أو بإشعال حريقٍ داخلي في قلب رجل...

أسعدتها نظراته وهي تعتلي كل مرتفعات جسدها، ثم تعلو وتهبط بمهارةٍ مدروسة... أربكتها، وأيقظت أنوثتها. تراها أعجبته؟ وهل تطابقت صورتاها في عينيه، أم أن الواقع فاق أحلامه حسناً؟ وماذا لو كان يتوقعها بشكلٍ آخر، ولونٍ آخر، وعبقٍ آخر؟ كيف ستتمكن من استنطاق أفكاره وانطباعاته عنها؟

كان الفطور أوروبي الوقع والشكل والطعم. طاولةٌ صغيرةٌ وكرسيان... سنتيمتراتٌ قليلةٌ تفصل بين جسديهما. ومع ذلك، كان الاقتراب محظوراً دون أي حظرٍ حقيقي. كان الهدوء يكتنف الجلسة بمجملها... شعرت وكأن من يجلس أمامها الآن لا يمت بأي صلةٍ إلى ذلك الشاب الذي كان يحدثها ليالي بأكملها عبر الهاتف. كان هادئاً وشبه صامت، وكأن البرود الأوروبي انتقل إليه بالعدوى، وانتزع منه حيويته واحتجزها في المطار بتهمة المشاكسة، بانتظار وقت المغادرة، حيث يمكنه عندئذ فقط أن يستعيدها كاملةً. ومع أنها كانت تخبئ له الكثير من الكلام والكثير من الاعترافات العاطفية إلا أنها وقفت أمامه مكبلة الشفتين وقد فرغت جعبة حكاياتها من محتواها.

ماذا تقول له؟ إنه فاق توقعاتها حضوراً ووسامةً وذكاء؟ بماذا تصارحه؟ بأنها لم تخشَ شيئاً في حياتها كخشيتها لقاءه، وأنها ربما لن تندم على شيءٍ في حياتها إلا على خسرانها حبه؟ حاولت في البداية أن تأخذ الموضوع على المحمل الحسن، وأن تعطيه فترة راحة، فقد يكون مجهداً بفعل ساعات السفر الطويل، ولكنها كانت تشعر في أعماقها بحاجزٍ يفصل بينهما، لا علاقة له بشعوره بالإرهاق الجسدي. حاجزٌ شاهق، كُتبَ عليه بالخط العريض، «الاقتراب ممنوع، خطر الحب»... ولكنها لم تكن تشعر بأنه يخشى حبها طوال الفترة السابقة، فلماذا يتردد الآن؟ ولماذا اتشحت عيناه فجأةً بالبرود؟

شعرت بشيءٍ من الإحباط يتسلل إلى أعماقها رغماً عنها... يحاول أن يكدر فرحتها بوجوده. فحاولت أن تبقي على ابتسامتها ملتصقةً بشفتيها. ولتمعن في التمثيل، تقمصت دور اللامبالية، وعرضت عليه أن تقله ليستريح في الفندق حيث تنتظره غرفةٌ حجزتها له مسبقاً بناءً على طلبه.

كانت تحاول أن توحي له بأنها طبيعيةٌ تماماً، وكأنها لن تستجدي أشواقه ولن تستعطفه ليبقى معها وقتاً أطول. فما زال العنفوان بنسخته العربية، وبرغم كل تناقضاته، يسكنها... ولن تحاول البحث عن بدائل أوروبية بنسخٍ أكثر تطوراً...

أما هو، فلم يناقش اقتراحها، ولم يتردد في الموافقة... ووجدت نفسها وحيدةً من جديد، وهي تراه يأخذ أمتعته من السيارة ويتوجه نحو الفندق. كان الوقت قد قارب الظهر. تبعثرت أفكارها أمام عينيها وداهمتها الكآبة على عجل. فشعرت برغبةٍ عارمة في البكاء... ولكن لماذا؟؟؟ فكل ما حدث حتى الآن كان متفقاً عليه مسبقاً. تراها اعتقدت أنه بمجرد أن يراها سيركع أمامها شغفاً وسيؤدي لعينيها فروض الطاعة العشقية؟ ألم يخطر ببالها احتمالٌ ضئيل بأنها قد لا تنال إعجابه كما تتمنى، أو أنه لن يكون بمستوى أحلامها مثلاً؟

الصفحات