كتاب " مقالات الوعي الوطني " ، تأليف صلاح بن يوسف الجودر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب مقالات الوعي الوطني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مقالات الوعي الوطني
خاب وخسر من أيقظ الفتنة
لقد انتكست طموحات الكثيرين من أبناء هذا الوطن وهم يرون حالات التخوين والتشكيك والتمترس خلف الكيانات الطائفية، هذه الانتكاسة التي بدأت تلاحظ في المقترحات البرلمانية والندوات والمكالمات والتي يخشى أن تتحول بين ليلة وضحاها إلى هاجس يعاني منه الكثيرون.
لقد جاءت حالات التخوين والتشكيك عبر المسجات المسمومة التي انتشرت بين أبناء الطائفتين (السنّة والشيعة)عشية مقترح (سب الصحابة)، وكانت توزع بنفس الدرجة والعدد على الطائفتين، وليس لتلك الممارسات إلا تفسير واحد وهو رغبة البعض في تجزئة الوطن وتقسيمه عبر ثقافة السب والشتم في فترة من أصعب الفترات التي تمر بها أمتنا وكأنها تمهيد لتنفيذ مشروع الدول الثماني الصناعية (مشروع الشرق الأوسط الكبير) والذي يعتمد على تقسيم المنطقة إلى كانتونات طائفية وعرقية.
لا أحد ينكر بأن أدبيات السب والشتم واللعن هي من أسهل الأدبيات، فلا تحتاج إلى مناهج علمية، ولا دراسات أكاديمية، ولا أطروحات تحليلية، كل ما في الأمر هو أن يتصفح الطائفي الجديد بعض الكتب التاريخية وبعض المواقع الالكترونية التي سطرت في صفحاتها ثقافة السباب والشتائم ومن ثم اجتزاء مواقف منها وتحويلها إلى محاضرات وأشرطة يتهافت عليها الموهومون بغلبة الطائفة!!.
ففي الوقت الذي بدأ العالم فيه يتحدث عن التكتلات والكيانات الوحدوية فإن هناك من يتعدى بسب السنّة وتكفيرهم والبحث في صفحات التاريخ ما يعزز هذا الطرح وإعطائه الشرعية اللازمة، وفي المقابل أصوات تدعوا لسب الشيعة وتكفيرهم وإخراجهم من الملة!!.
لقد جاء مقترح النائب السعيدي الأخير(تجريم سب الصحابة) كالقنبلة الموقوتة، وقابلتها ردة فعل لها نفس القوة وفي الاتجاه المعاكس، وعند فقهاء القانون فإن مقترح السعيدي حق كفله الدستور، ولكن لنعيد النظر في المقترح نفسه أو غيره من المقترحات ولنتساءل هل بدأنا قبل ذلك بنشر ثقافة التسامح واحترام الآخر في المجالس والمنتديات؟، هل خاطبنا الأتباع والمريدين بأن يكفوا عن التشكيك والطعن في الآخرين قبل أن نطالب الآخرين بالتوقف عن نشر ثقافة التفتيش والتشكيك في النوايا، هل نزلنا من بروجنا العالية ومن زوايانا الجانبية في دور العبادة من أجل الالتقاء بالآخر والاستماع إليه؟!.
ليس السعيدي هو الطائفي الوحيد في هذا الوطن، ولكن كل أبناء هذا الوطن طائفيون ومذهبيون وحزبيون وقبائليون، وليس عيباً بأن ينتمي الفرد إلى طائفة أو حزب أو قبيلة وأن يعتز بانتمائه، ولكن العيب أن يتحول هذا الانتماء إلى تعصب أعمى، فلا يرى إلا نفسه ولا يدافع إلا عن طائفته ولا يتحدث إلا عن حزبه، وكأن الآخرين لا حق لهم في اعتناق معتقد ما!، أو أبداء رأي ما!، ولربما يرى بأن الآخرين ليس لهم حق في الحياة أصلاً!!.
ولعلي جلست مع أحد الأغرار الصغار من الذين يروجون لثقافة التصدي والتحدي وكسر العظم وهو لا يعلم خطورة الأمر، وحتى نكون على بينة من أمرنا قبل أن تأخذنا موجة السباب والشتائم بدأت ببعض الأسئلة، من وراء هذه الحملات ومن قائدها؟، وما الهدف من الترويج لها؟، وهل هذا هو الأسلوب الأمثل لمعالجة تلك القضايا؟، وهل الوطن تحول فعلاً إلى عراق وأفغانستان؟، فكان جوابه واحداً لا يتغير: لا أعلم!!.
إن أخوف ما نخاف عليه أن تشهد الساحة المحلية حالة جديدة من التصعيد الطائفي التكنولوجي، فيتم استخدام الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة من أجل الدفع في هذا الاتجاه، وما ذاك إلا من أجل تحقيق مكاسب انتخابية على حساب البسطاء من الناس والسذج من البشر الذين يتأثرون ببعض الخطب والأشرطة والنشرات المصورة ذات الحجم الصغير(A5)!!.
ليس غريباً أن يسعى الطائفيون المتعصبون الجدد الراغبون في دخول البرلمان أن يتبنوا الخط التصعيدي واستغلال حب الناس للصحابة أو آل بيت النبي، كل ذلك من أجل الترويج لمشاريعهم التجزيئية والانشطارية والتفتيتية، الأمر الذي يعرض ( السلم الاجتماعي) وأجواء الانفتاح إلى منزلق خطير يعادل ما حدث في تجربة سنة 1975م حينما توقفت التجربة وبدأ الجميع يتجرع آلام الهزيمة والشتات!!.
لاحظ المراقبون والمتابعون للمشهد السياسي بأنه كلما جاء ملف حساس مثل(تقرير الرقابة المالية الأول والثاني وملف التقاعد والتأمينات واتفاقية التجارة الحرة وقانون الجمعيات والاستيلاء على الأراضي وغيرها) تجد نفس الصرخات الطائفية وبأساليب مختلفة!!، فلماذا كلما جاء ملف مهم وحساس بدأت النشرات والندوات والتصعيد وكأنها معادلة مدروسة لتمييع القضية الأساسية وإفقادها أهميتها، إن هذا هو أسلوب البطالين السياسيين الذين يسعون إلى أهدار الوقت واستنزاف الطاقات.
إن لكل شيء ضريبة، وإن ضريبة حرية التعبير والكلمة قد كانت من خلال ترويج ثقافات جديدة لم تكن موجودة من قبل في هذا الوطن، هذه الثقافات التي ظهرت بين الناس وبشكل خطير، وهي ثقافة السباب والشتائم، وقد عرف شيخ الإسلام السباب بقوله: (هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يُفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم، كاللعن والتقبيح ونحوه).
فإذا كان هذا هو حال الوطن وتلك هي حساسية المرحلة، فمن الواجب على رموزنا الدينية والوطنية التحرك لاحتواء الأمر وتوجيه الناس إلى المطالبة بقضاياهم الوطنية وتجاوز مرحلة السباب والشتائم، وذلك من خلال الحكمة التي قال عنها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم:(الحكمة ضالة المسلم أينما وجدها أخذها)، من هنا فإن الحكمة يجب أن تكون في الاستقرار، الحكمة في التعامل مع الآخر، الحكمة في المطالب المشروعة، فهل نشهد اهتماماً بقضايانا الوطنية أم نعود إلى الخلف؟.