أنت هنا

قراءة كتاب ملحمة الخيارات الصعبة من يوميات الدكتور كامل مهنا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ملحمة الخيارات الصعبة من يوميات الدكتور كامل مهنا

ملحمة الخيارات الصعبة من يوميات الدكتور كامل مهنا

كتاب " ملحمة الخيارات الصعبة من يوميات الدكتور كامل مهنا " ، تأليف شوقي رافع ، والذي صدر عن دار الفارابي لللنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدمة الطبعة الثالثة

في ستينيات القرن الماضي، كان الحلم الكبير والانكسار الكبير... وكنت في صخب الحركة القومية حينذاك، طالباً تموج فيه تداعيات التاريخ: روايات عن الظلم العثماني، عن شراسة الانتداب الفرنسي.. وفلسطين، في الذاكرة الطفولية، تختزلها دموع وأحزان وبقايا متاع تليد. حملتها قضية حيث أخذت بي طريق، وحفرت اسمها على الصخور وجذوع الأشجار ومقاعد الدراسة. ثم كانت الهزيمة (1967) واندثار الأماني، فانعطفت «يساراً» وبدا لي ضوء من بعيد شدّني إليه، لأجد نفسي في ما سمي بـ «البؤر الثورية»، وعلى خطى جيفارا، انخرطت فيها حتى الجمام. لعله «الربيع العربي» ـ في قراءة الحاضر ـ أتى مبكراً حينذاك، ليشهد على سقوط الأنظمة المتخاذلة... ولكن «الربيع» لم يزهر، وكل «ربيع» آت قد تنطفئ أزهاره قبل الأوان، مخيباً الآمال إن لم يكن فعلاً صادقاً نحو التغيير.

هكذا «البؤر» في زمانها، فلم تكن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية من همومها، فانتهت إلى حروب أهلية وانشقاقات حزبية، وصراعات مسلحة بين تنظيمات القضية الواحدة. وكان المجتمع المدني ضحيتها، وعلى أنقاضها سارت الأنظمة القمعية، والقادة «الثوريون» تحولوا بدورهم إلى «رموز» سلطوية، فلم يتبق سوى الشعارات.

هذه الهواجس داهمتني، وأنا أعد مقدمة الطبعة الثالثة لـ «ملحمة الخيارات الصعبة»، وما بين هذه والطبعة الأولى، شهدت المنطقة العربية انتفاضات، ولا نقول ثورات، لأن الأخيرة ينبثق منها تغيير جذري في بنية المجتمع ونظامه، وإذا بتجربة «البؤر» تعيد إنتاج نفسها، والانتفاضات تصادرها قوى الطغيان في الخارج، فلا تنفك تستنفر العصبيات وتؤلب أطرافاً على أخرى.. وينابيع الدماء لا تتوقف عن الفوران.

لنعد إلى أحلامنا، إلى الماضي حيث كانت للأخيرة مساحة واسعة فيه، وتحت سقفها لم نبرح المغامرة وركوب الأخطار. فمن نضالات المدرسة في زمن التوهج القومي، إلى الجامعة في فرنسا، طالباً في كلية الطب، تابعت المسيرة بوتيرة أكثر حماسة، تتوجت بانتخابي أول أمين عام للاتحاد العام للطلاب اللبنانيين.. وفلسطين دائماً في موقع القطب من الدور، وفي صميم قضية تلك الكوكبة من الشباب الذين ضحوا بسنوات من أعمارهم في سبيلها. ولقد صدر بحقي قرار طرد من الحكومة الفرنسية، ألغي بعد حملة واسعة من الاحتجاج نظراً للدور النضالي البارز للاتحاد آنذاك. وحين جاء أوان التخرج لم أضع وقتاً، فالتحقت بالبؤرة «الظفارية»، مواكباً أولئك المناضلين البواسل، ومنخرطاً مع الصامدين الفقراء، وهم يتفجرون حماسة ولا يأبهون للصواريخ والقذائف تنهال عليهم. لقد تعرفتهم جيداً، وأنِسوا إليّ طبيباً يغامر في الذهاب إلى معاقلهم البعيدة، ويسعد بشفاء مرضاهم.. كانت مثيرة تجربة «ظفار»، وددت لو طال المقام في شعاب الأخيرة وكهوفها.

ومن الجنوب العربي، إلى الجنوب اللبناني، كانت تقودني، على السجية، الطريق، فلا أتوقف عن التجوال في ثغوره وبلداته، والقُرى التي طالما استبد بها الحرمان، وتوغلت في مسامها شظايا النكبة الفلسطينية. وكنت طبيباً في زي مقاوم، فلم أكف عن التردد أسبوعياً على الخيام وشرقها، وكلاهما في أتون النار، ولم أنقطع عن ذلك إلا بعد نشوب الحرب التي أخذتني إلى «جنوب» آخر، إذ بدا لي، تجوزاً في كل الجهات: في الفاكهاني وتل الزعتر والنبعة، إلا أن الأخيرة كان لها طعم أشد مرارة، وقد عبرت إليها في موكب الخطر، خابطاً بين الحواجز، ومطارداً من القناصين هواة القتل، وخرجت من ركامها، وكأنني وهبت حياة جديدة، لم أظن أنها ستستعاد.

والخيام حيئنذ كانت بانتظاري، فلم تصدق أنني خرجت سالماً من الجحيم.. احتفت بي، وعانقتها بشغف العاشق.. ثم صباحاً غادرتها إلى بيروت.. إلى مقر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وكنت قد التزمت مبكراً بخطها الراديكالي، ووجدت فيها الإطار الموائم للعمل الجاد نحو التغيير، حيث أسست مع مجموعة من المناضلين والمناضلات جمعية «النجدة الاجتماعية» التي تعمل في المخيمات والمناطق الشعبية، ومنها انطلقت إلى الدور الذي سبقت الإشارة إلى تفاصيله، على الجبهات كافة، مما هو مندرج في متون «الخيارات».

وما بين «اجتياحين»، عبرت مجدداً إلى منعطف آخر، من البؤر الثورية إلى بؤر الفقر والحرمان، فكانت «عامل» التي خرقت التقليد في المجتمع المدني، مؤسسة صحية، اجتماعية، تنموية، حقوقية. وقد وُلِدتْ فكرة في فندق بقاعي متواضع، حيث كنت والصديق إبراهيم بيضون نتناقش معاً ونحلم معاً في ذلك اليوم الطويل، ثم تصبح الفكرة حقيقة واليسار اتجاهاً تغييرياً اختارت الانضواء فيه، إلى منظمة العمل الشيوعي والقوى الديمقراطية والوطنية، التزاماً بالمواطن الإنسان بمعزل عن خياراته. والحلم يتحول واقعاً، والوقت كان مطواعاً فلم يطل.

الصفحات