أنت هنا

قراءة كتاب عدو المسيح

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عدو المسيح

عدو المسيح

هذا الكتاب ينتمي إلى القليلين... الذين لعلّ أحداً منهم لم يولد إلى الحياة حتى الآن. ولعلّهم أن يكونوا أولئك الذين سيفهمون زرادشتي.

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

7

بِدينِ الشفقة يدعون المسيحيّة.
الشفقة والرأفة هي في الجانب المضادّ للانفعالات المحرّضة التي ترفع طاقة الشعور الحيوي، وبهذا فإنها تنتج تأثيراً مُثبِّطاً.
عند الإشفاق تُضيَّع القوّة.. وعبر الشفقة يتنامى ويتولّد أكثر فأكثر خسران القوّة الذي تحمَّلته الحياة عبر المعاناة. حتى أنّ المعاناة نفسها تصبح مرضاً معدياً من خلال الشفقة.
وفي ظروف معيّنة يمكن أن تَحصْل خسارة عامّة للحياة وللطاقة الحيوية، تُصادف في علاقة باطلة غير معقولة مع مقدار أهميّة السبب (حالة موت الناصري).
هذا هو وجه المسألة الأول، لكن ثمّة آخر بعد هو أكثر أهمية.
إمّا قيست الشفقة بحسب قيمة ردود الأفعال التي تستحثّها، حينها فإنَّ سجاياها الخلقيّة الخطيرة المضادّة للحياة، تبدو تحت ضوء أكثر وضوحاً بكثير.
الشفقة في عمومها تتجرّأ على قانون التطوّر الذي هو قانون الانتخاب.. تحافظ على الذي قد صار مهيّأً لغروبه، تكافح لأجل المحرومين في الأرض، والمدانين من الحياة.. وتعطي الحياة ذاتها، عبر استبقائها في الحياة لوفرة من الخائبين من كلّ جنس، هيئة كاسفةً ومريبة.
لقد اجتُرئ على أن تُدعى الشفقة فضيلة (وهي التي تُعدّ في أية أخلاق نبيلة ضعفاً)(6) وذُهب إلى أبعد من ذلك بإنشاء الفضيلة منها، وجعلها الأرضيّة والأصل لكلّ فضيلة، لكن فقط ـ وهذا ما يجب أن يظلّ دائماً مأخوذاً في الحسبان ـ من خلال نظر فيلسوف عدميّ، قد كتب فوق مِجَنّه شعار إنكار الحياة.
شوبّنهَوَر بسببها كان إزاء هذا: عبر الشفقة أنكر الحياة، ومن خلالها جعلها أكثر مستَحَقيّة للإنكار.
الشفقة هي ممارسة العدميّة(7).
أقول مرّة أخرى: هذه الدوافع المثبطة للعزم، والمُمْرِضَة، تتجرأ على تلك الغرائز التي ترمي كَغاية إلى حفظ الحياة، وإلى زيادة وإعلاء قيم الحياة.
وإنّها ـ بالطريقة ذاتها ـ بمقدار ما تُكاثر البؤس كونها حامية للبؤساء، فإنّها أداة أساسية في تضخيم الانحطاط.
الشفقة تقود إلى اللاشيء، ولا يقال اللاشيء بل الأفضل أن يُقال "الأبعد" "العالم الآخر" أو "الله" أو "الحياة الحقيقيّة" أو "النرفانا" "الخلاص" "المجد".
هذه البلاغة البريئة المتأتيّة من مملكة الجبلّة الأخلاق ـ دينيّة، تبدو حالاً على أدنى قدر من البراءة عندما يُفهم أيُّ نزوع ينضوي تحت عباءة هذه الكلمات الرفيعة:
النزوع المضادّ للحياة. شوبنهور صار معادياً للحياة: وبهذا قد حُوّلت الشفقة إلى فضيلة.
كما هو معروف، فإن أرسطوطاليس رأى في الشفقة حالة مرضيّة وخطرة، يجب أن تُعامل، حيناً بعد حين، بالتطهير. لقد فهم التراجيديا كمطهّر(8).
من خلال غريزة الحياة يتوجّب البحث فعلاً عن تدبير يمكّّن من وخز البثرة المتقيّحة المُمْرِضَة والخطرة، كما تتمثّل في حالة شوبنهور (وكذلك ـ ياللبؤس ـ كما تتمثّل في عموم انحطاطنا الأدبي والفنّي من سان بطرسبرج إلى باريس ومن تولستوي إلى فاغنر) وخزها حتّى تنفقئ.
ليس ثمّة ما هو أقلّ معافاة، داخل حداثتنا القليلة الصحّة، من الشفقة المسيحيّة.
إنه شأننا أن نصبح هنا أطبّاء، ذوي قلوب لا ترحم، وأن نستخدم السكّين.
إنّ هذه هي خصوصيّتنا، وهذه هي طريقتنا في محبة البشر، وبها نكون فلاسفة، نحن الشماليين.

الصفحات