قراءة كتاب النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

النظام السياسي ومشكلات الوحدة الوطنية في دول جنوب افريقيا

تعاني دول العالم الثالث غالباً من مشكلات الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي ، ولهذه المشكلات أسباب عدة ، وقد تجذرت بسبب وجود الظاهرة الاستعمارية ولا سيما المصحوبة بالاستيطان ، وفي ظل هذه الظاهرة نجد أن نمط العلاقة السائدة هو الاستبعاد ، لا الاستيعاب ، أو الا

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 10

المطلب الثاني :جماعة المستوطنين البيض

تتكون الجماعة البيضاء من أصول أجنبية متنوعة ، فإذا كانت هذه الجماعة تضم جماعتين فرعيتين هما :- جماعة الافريكانرز ، وهم الذين كانوا يسمون بالبوير([106]) وجماعة المتحدثين بالانكليزية . الا أنه يلاحظ بالنسبة للجماعة الأولى والتي تشكل نحو 60% من الجماعة البيضاء . انها تضم في صفوفها نسبة كبيرة من أبناء الهولنديين الأوائل الذين استقدمتهم شركة الهند الهولندية الشرقية للعمل في محطة الكاب البحرية في النصف الثاني من القرن السابع عشر كما تضم في صفوفها نسبة يعتد بها من أبناء الألمان الذين قدموا الى جنوب افريقيا ، في المدة نفسها تحت اغراءات منحهم مزارع خاصة بهم ثم أنها تضم كذلك نسبة لا بأس بها من أبناء الهوجونوت الفرنسيين الذين تدفقوا على هولندا في المدة نفسها ، هرباً من الاضطهاد الديني في فرنسا ، ثم ارتحلوا الى جنوب افريقيا سعياً وراء الحصول على مزارع كبيرة . وقد كان المستوطنون الاوائل من الألمان والفرنسيين من المزارعين المهرة ، وقبلوا بسهولة الانصياع للسيطرة الهولندية على الكاب (1651-1795) ([107]) ، كما استوعبوا اللغة الهولندية ( أو ما اصبح يعرف الان باللغة الافريكانية )، لدرجة ان العديد من قادة جنوب افريقيا المتحدثين بالهولندية على مدى القرون الثلاثة الماضية كانوا يحملون أسماء فرنسية ، بل يشير واقع الحال الى ان القسم الاكبر من الافريكانرز ينتمي لأصول فرنسية والمانية اكثر من انتمائهم لأصول هولندية . ([108]) وقد كانت المانيا مصدراً مهماً لتزويد جماعة الافريكانرز بالمهاجرين ، كما تم تعزيز هذه الجماعة بأعداد إضافية في ستينيات القرن الماضي ، من الهولنديين الذين قدموا من اندونيسيا ومن البلجيك الذين قدموا من الكونغو(زائير) عقب استقلال هاتين الدولتين .([109])
ويلاحظ بصفة عامة على المستوطنين من هذه الجماعة انهم احترفوا الزراعة فيما عدا الهولنديين الاوائل ، الذين برهنوا على عجزهم في القيام بهذه المهنة ، واتجهوا للرعي من خلال القرصنة وسلب قطعان واراضي القبائل الافريقية . ([110])
وفيما يتعلق بالجماعة المتحدثة بالانكليزية يلاحظ انه على الرغم من تحدث كل أعضائها بالإنكليزية، يوجد داخل هذه الجماعة الفرعية جماعة فرعية اخرى هي الجماعة اليهودية ([111]) والتي يقدر عددها على وفق آخر إحصاء عام 1996 بنحو (100الف نسمة) ([112]) . فعلى الرغم من أن أعضاء هذه الجماعة يتحدثون الإنكليزية ، يشكلون جماعة مختلفة داخل الجماعة المتحدثة بالانكليزية ، سواء من حيث الديانة أم من حيث ارتقاء مستوى ثرائهم ، وسواء من حيث نظرتهم لأنفسهم او نظرة بقية أعضاء الجماعة لهم . ([113])
وإذا كان أول استيطان بريطاني في جنوب أفريقيا قد حدث عقب احتلال بريطانيا لمدينة الكاب عام 1806 ، إذ اصبح الكاب جزءاً من الإمبراطورية البريطانية بموجب اتفاقية باريس عام 1814 ([114]) ، ولاسيما حينما نظمت الحكومة البريطانية ومولت هجرة مؤلفة من خمسة آلاف بريطاني الى الكاب عام 1820 ونحو 4.800 بريطاني الى مدينة الناتال في المدة من 1849-1852 ، فانه يلاحظ ان نحو خمسي الموجة الأولى من المستوطنين كانوا من المزارعين في حين ان البقية من الفنيين والتجار ورجال الجيش المتقاعدين والمهنيين، أما الموجة الثانية الى الناتال ، فلم يشكل المزارعون إلا نحو 1% فقط، ويلاحظ بصفة عامة أن أغلبية المزارعين البريطانيين قد تركوا الزراعة وارتحلوا للعمل في المدن خوفاً من هجمات القبائل الأفريقية عليهم ، من جانب ، وسعياً وراء فرص عمل افضل من جانب اخر . ([115]) وقد ظلت الجماعة المتحدثة بالإنكليزية ولا تزال تعتمد في زيادة عددها على النمو السكاني غير الطبيعي المعتمد على الهجرة وهو الأمر الذي زاد مخاوف جماعة الافريكانرز من احتمال اختلال التوازن الديمغرافي لغير صالحها، وان كانت جماعة الافريكانرز تسمح بهجرة المتحدثين بالانلكيزية الى جنوب أفريقيا لسد النقص في العمالة الماهرة البيضاء في البلاد من جانب ، ولتدعيم الوضع الديمغرافي للجماعة البيضاء ككل في مواجهة الجماعة الافريقية .
ونتيجة لما تقدم ، قدم الى جنوب أفريقيا واستقر فيها نحو ربع مليون مستوطن من المتحدثين بالإنكليزية في مدة تقل عن نصف قرن من عام 1924-1970. ([116]) ونسبة يعتد بها من هذا العدد قدمت من المستعمرات البريطانية السابقة في الهند ووسط وشرق افريقيا([117]) . مما تقدم يلاحظ إن هناك تنوعاً في أصول الجماعة البيضاء ، كما أن العامل التاريخي في الاستيطان قد جعل جماعة الافريكانرز في معظمها تتركز في الريف وتعمل في الزراعة والرعي ، في حين ان الجماعة المتحدثة بالانكليزية في معظمها تعيش في الحضر ، وتعمل في القطاعات الاقتصادية الحديثة ، وقد اضاف ذلك اختلافاً آخر بين الجماعتين الفرعيتين الافريكانرز والمتحدثة بالانكليزية ، الى جانب الاختلافات القائمة بينهما أصلاً فيما يتعلق بالدين واللغة ، إذ تتبع الاولى المذهب الكالفني البروتستانتي وتنتسب للكنيسة الهولندية الاصلاحية ، وتتحدث اللغة الافريكانية في حين ان الثانية تتبع عديداً من المذاهب المسيحية وتنتمي للعديد من الكنائس وتتحدث الانكليزية ، على اية حال ، فان عملية التحضر التي سادت جنوب افريقيا منذ القرنين الماضيين ، قد ادت الى تحضر غالبية الافريكانرز ثم ان دستور اتحاد جنوب افريقيا قد حل مشكلة اللغة بالنص على اعتبار اللغتين الافريكانية والانكليزية لغتين رسميتين للدولة . ([118])
وقد بلغ تعداد الجماعة البيضاء في منتصف عام 1976 نحو4,320,000 نسمة أي نحو 17% من سكان البلاد ([119]). واصبح معظم أعضاء الجماعة البيضاء من سكان الحضر اذ بلغت نسبة التحضر بينهم عام 1970 ما يزيد على 87% ، ولا يشكل البيض غالبية سكانية، على غير البيض في أي من المدن الكبرى لجنوب أفريقيا ، فيما عدا العاصمة بريتوريا ، كما لايشكلون غالبية عددية في أي من مقاطعات البلاد الأربع حتى مع استبعاد سكان البانتوستانات، وان كان يلاحظ بصفة عامة أن غالبيتهم يتركزون في ترانسفال إذ يعيش فيها نحو ما يزيد على40% من البيض والكاب إذ يوجد بها ما يقرب من35%منهم،اما ناتال ([120]). واورانج فيعيش فيهما فقط نحو 15% ، 10% على التوالي ، وبلغ تعدادهم في منتصف عام 2000 (4,5) مليون نسمة ، ونتيجة لعملية التحضر ودخول غالبية البيض واشتغالهم في القطاعات الاقتصادية الحديثة، فأن بعض معالم التكوين الطبقي قد بدأت في الظهور داخل الجماعة البيضاء . ويمكن ان نبين تقسيمات الجماعة البيضاء في جنوب افريقيا .

الصفحات