موضوع هذا الكتاب ((شعر الصراع بين الإسلام وخصومه في عصر النبوة))، وهو بحث معنيّ بكشف أحداث ذلك الصراع الذي احتدم بين الإسلام ومناوئيه عندما ظهرت الدعوة إلى الإسلام، وبإلقاء الضوء على الدور الذي شارك فيه الشعر في ذلك الصراع.
قراءة كتاب شعر الصراع بين الإسلام وخصومه في عصر النبوة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
شعر الصراع بين الإسلام وخصومه في عصر النبوة
المصادر الجغرافية
ومن هذه المصادر التي أفدنا منها: كتاب ((صفة جزيرة العرب)) لأبي محمد الحسن ابن أحمد بن يعقوب (ت:334هـ)، وكتاب ((معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع)) لأبي عبيد الله عبيد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي (ت:487هـ) وكتاب ((معجم البلدان)) لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت:626هـ).
وهذه المصنفات تترجم لمواضع كان بعضها مسرحاً لأحداث الصراع، وحين يتحدث المصنف عن الموضع يضمن حديثه بعض الشعر الذي قيل فيه، غير أنه لا يروي النص كاملاً – إلا في القليل النادر - [35] وغنما؟؟ يكتفي برواية بيت أو بيتين منه ، وربما زاد على ذلك أحياناً.
والبكري أكثر هؤلاء المصنفين عناية بشعر الصراع، فقد أورد منه نيفاً وأربعين نصاً، خصَّ حسان بن ثابت وحده بخمسة عشر نصاً منها.
كما أنه أكثرهم دقة ودراية بالشعر، يدل على ذلك أنه كان يقوم بنقد الشعر وتمحيصه والتنبيه على زائفه في بعض الأحيان.
على أن هذه الكتب بأنواعها المختلفة ليست بطبيعتها مصدراً أصيلاً من مصادر الشعر التي يمكن أن يعتمد عليها، وإنما المصدر الأصيل الذي يصح للباحث المحقق أن يطمئن إليه ويعتمده هو هذه الدواوين الشعرية التي اقتصرت على الشعر نفسه واتخذته غاية لذاته، وأفرغ جامعوها وشراحها جهدهم في التثبت من صحة كل قصيدة، بل كل بيت، والتحقق من نسبة كل ذلك إلى شاعره ،ودفع ما لا تثبت لهم صحته او نسبته، والنص عل ما يشكون فيه منه[36].
ولكن ما بين أيدينا من دواوين لم تحفظ لنا سوى شعر القلة القليلة من شعراء فترة الصراع، ذلك أنه لا يوجد لدينا سوى ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، وهو من شعراء المدينة الذين كانوا ينافحون عن رسول الله، وديوان كعب بن زهير ولبيد ابن ربيعة، والأعشى البكري، وهم من شعراء البادية، وديوان أمية بن أبي الصلت الثقفي وهو من شعراء الطائف.
وسوف نرى في الفصول اللاحقة أن هؤلاء الشعراء قد تفاوتوا في مشاركتهم في الصراع، وأنه لم يشارك منهم مشاركة جدية وحاسمة غير حسان بن ثابت.
وأما جمهرة الشعراء الذين شاركوا في الصراع – كشعراء المشركين من قريش وسائر القبائل واليهود – فكان حظهم من العناية والاهتمام قليلاً، بحيث ذهب عنا كثير من شعرهم، وما بقي لهم لا يكاد يمثل واقعهم تمثيلاً صحيحاً ودقيقاً، كما أنه لا يستوي إلى أن يجمع في ديوان لقلته.
ومن هنا، فليس أمامنا سوى قبول الشعر الوارد في هذه المصادر والاستشهاد به على أنه وثيقة حية من وثائق فترة الصراع بعد إخضاعه للدرس والتمحيص، والتنبيه على المصنوع منه – إن استطعنا إلى ذلك سبيلاً أو وجد الدليل – في موضعه من هذا البحث إن شاء الله.
الرواية والرواة
عندما أظل الإسلام جزيرة العرب، اندفع المسلمون خارجها يلبون نداء الجهاد، إرضاء لله ونشراً لدينه، وحملاً لدعوته إلى الدنيا كلها. وكان طبيعياً أن ينصرف المسلمون عن أمور الدنيا، وأن يتخففوا من كل ما يشغلهم عن نيل إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، فانصرفوا عن الشعر ولهوا عن روايته حيناً قال ابن سلام[37]: ((قال عمر بن الخطاب: كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه، فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب بالجهاد، ولهت عن الشعر وروايته)).
ولكنهم مع ذلك ظلوا على ولعهم به، واحتفائهم بسماعه وإنشاده، فقد كان الرسول الكريم يسمعه ويثيب قائليه، وكان عمر بن الخطاب يحبه ويستنشده. أنْشِدَ ذات مرة قصيدة أبي قيس ابن الأسلت التي على العين وهو ساكت، فلما انتهى المنشد إلى قوله[38]:
الكيس والقوة خير من الإ شفاق والفَهَّةِ والهاعِ
أعاد عمر البيت وجعل يردده ويتعجب منه، ثم كتب إلى أبي موسى الأشعري: مُرْ مَنْ قِبَلَكَ بتعلم الشعر، فإنه يدل على معالي الأخلاق، وصواب الرأي، ومعرفة الأنساب.
ومع احتفال الخلفاء بالشعر، لم يُعنَ أحد من الناس بكتابته وتدوينه على الرغم من انتشار الكتابة وذيوعها، ومردُّ ذلك أن قلوب الناس وعقولهم ومشاعرهم كانت مشدودة إلى القرآن، والعناية بحفظه وتفسيره. ولكن الرواية ظلت قائمة فاستمر الناس على رواية الشعر والأخبار والأنساب والأيام، يدلّ على ذلك قول حسان بن ثابت[39]:
وقد سارت قوافٍ باقيات تناشدها الرواة بكل وادي
بل نجد أنهم توسعوا في رواية بعض هذه الفنون أول عهدهم بالإسلام، لمعالجة الحجة في الردّ على المشركين ممن كانوا يهاجون شعراء النبي- عليه السلام - فكان عمر بن الخطاب مثلاً أروى الصحابة للشعر[40].
وعندما انتقل الحكم إلى بني أمية، وازداد الإسلام رسوخاً في النفوس، قوي عود الشعر واشتد، وأخذ العرب يقبلون عليه، يسمعونه في سوق المربد، ويسمعونه من الأعراب الوافدين من جوف البادية. فلم يكن عجيباً إذن، أن ينصرفوا لقوله وإنشاده، وأن يحرصوا على روايته ونقله.