أنت هنا

قراءة كتاب اليقين الحق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اليقين الحق

اليقين الحق

كتاب " اليقين الحق "، تأليف محيي الدين محمد عطية ، ومما جاء في مقدمة الكتاب : 

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 1

الموت كلمة صامتة، لا يسمعها الإنسان إلا ويخيم عليه الصمت ويشعر ساعتها بالسكون، كلمة حيرت جميع العقول، ودهشت أعاظم العلماء، ومازال غامضا، وأمرا عجيبا، فالعلم قد وصل إلى ما وصل، وصنع من العجائب والغرائب ما صنع ،وأكتشف من الأسرار والخفايا ما اكتشف، ورغم هذا كله لو سألته عن الموت ،وقف عاجزا، مكتوف اليدين، معقود اللسان.

الموت مخلوق من مخلوقات الله، والعدم والفناء يجرى عليه، مصداقا لقوله تعالى { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}([3]) فكل شيء سيفنى ويموت، الملائكة تموت، والأنبياء يموتون، الأتقياء يموتون، والعصاة يموتون، الصغير يموت ،والكبير يموت، الحقير يموت، والعظيم يموت، الدميم يموت، والجميل يموت، النبي يموت، والشيطان يموت، ملك الموت يموت ،والموت نفسه يموت … فالكل في عالم الفناء والعدم.قال تعالى{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ"}([4]) .

الموت هو انعدام الحياة قبل وجودها، وانعدام الحياة بعد وجودها، فقبل وجودك أنت ميت، وبعد نزع الروح منك أنت ميت أيضا.

الموت نهاية الحياة على الأرض، بانهدام بنيان الإنسان، لتبدأ حياة جديدة في عالم جديد، فالموت ليس فناء كما يعتقد الجاهلون ،بل هو انتقال من دار إلى دار، وبرزخ يفصل بين حياتين، حياة الاختبار والابتلاء، وحياة الجزاء والبقاء، والحياة الحقيقية هي حياة الآخرة، قال تعالى{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [].

إن الحياة الدنيا مهما امتدت، ومهما طالت، ومهما صفت، فمصيرها إلى الزوال، وإن هي إلا أعوام وتنقضي، وربما كانت أياما ،أو ساعات، وكم هي لبعض الناس بضع لحظات، فيصبح المرء بعدها في حفرة، وحيدا ليس معه الأولاد، ولا الأموال، ولا الزوجات، ولا خليل يناديه، كأنه لم ير الدنيا ولم تره ، هذا إذا كانت الدنيا التي عاشها صافية له، ونقية، فكيف وقد ملئت الدنيا بالمشكلات والمنغصات، كم مر بنا من خير ومسرات ؟ كم ضحكنا ؟ كم بكينا ؟ كم صححنا ؟ كم سقمنا ؟ كم عوفينا ؟ تقلبات مرت بنا كأن لم تكن.

الموت أكبر من أن تقوله الألسنة وفوق أن تراه العيون أو تسمعه الآذان أو تتصوره العقول، لأن الموت إذا نزل أخرس الألسنة وأسكنها، وأعمى العيون وأذهبها، وأزعج القلوب وأرهبها، فهو مصيبة بكل المقايس كما وصفه القرآن الكريم في قوله تعالى {إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ المَوْتِ} [] وليت الأمر يقتصر على الموت لهانت المصيبة، ولكن المصيبة فيما بعد الموت ، فالويل كل الويل لمن كانت الدنيا أمله والخطايا عمله، الويل كل الويل لمن كان عالما بأمر دنياه، جاهلا بأمر آخرته، الويل كل الويل لمن كان يجزع إذا قل ماله، أو نقص، وما فطن لما من عمره ينتقص.

الموت هو انتزاع الحياة من الإنسان، وانتزاع الحياة يتم بواسطة ملك مخصص يسمى ملك الموت، الذي يمسك بالروح ويجذبها إليه، فيقلعها من كل خلية في الجسم دون تمييز، فتتمزق الخلايا، ويختلط الحابل بالنابل، وتسيل الدماء في كل اتجاه، وتنتهي الحواجز التي تفصل أجزاء الجسم بعضها عن بعض، فيصبح مهلهلا ويقاسى من الآلام الحادة والقاسية ما لم يشعر به بشر في مرض من قبل، ومهما حاول الإنسان أن ينجو من الموت فلن يستطيع []. ، قال تعالى{ قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[].

الموت حتم في موعده المقدر، لا مهرب منه، ولا جدوى في الفرار منه، فإنه يطلب الإنسان ويتبعه حيثما كان، وفي أي وقت كان، حتى يدركه فأنت أخي الشاب لا تأمن الموت، ولا تظن أنك في أمان منه، فقد يموت الصغير، ويعمر الشيخ الكبير، ويهلك الصحيح، ويصحُّ المريض؛ فكم من صغير دفنتَ، وشاب وشابة واريتَ؟ وكم من عروس قبرتَ؟ وشيخ عجوز عاصرتَ، كم من نفس في ساعتنا هذه تحتضر، وكم من جسد مسجى للصلاة عليه ينتظر، وكم من جسد في ساعتنا هذه يحثي عليه التراب ليستتر، لكننا مع الأسف الشديد نسيناه أو تناسيناه وكرهنا ذكره ولقياه مع يقيننا أنه لا محالة واقع وحاصل، قال تعالى {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُُروجٍ مُّشَيَّدَةٍ َ} [].

لقد نال الموت عناية فائقة الوصف ،في الكتب السماوية، وأحاديث الأنبياء ووعظ الصالحين، ووصف الكتاب، من كل عصر، وجنس، وعقيدة ،وأصدق التعبيرات عنه نأخذها من القرآن الكريم :

فعن شدة الموت يقول {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كَنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}.[]

وعن هوله يقول { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ}[] وعن حتمية الموت لكل كائن يقول {قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ}[] وعن التحصن منه يقول { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ}[] وعن وصف لحظة خروج الروح يقول { تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ}.[]

وقد ذكر الله كلمة الموت ومشتقاتها في القرآن الكريم في حوالي خمس وسبعين ومائة آية، وفي كل مرة تذكر فيها كلمة الموت، تقشعر لها الأبدان، وتخشع لها الصدور، وتذرف لها العيون ،وليس في عالمنا عالم الإنس فقط، بل في كل العوالم، من عالم الجن، والملائكة، والحيوانات ،والحشرات، كلما ذكر الموت، ارتجفت هذه العوالم خوفا ورهبة، قال تعالى{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}([5]) .

تلك لحظة حاسمة في حياة كل إنسان، مهما عظمت مكانته، ومهما علت منزلته، فالكل في تلك اللحظة سواء، وإنما يتفاوت الناس حسب تقواهم، فيا من غره طول الأمل، يا من قصر عن العمل، فاستعد ليوم الرحيل فإنّك عما قريب ستلاقيه، نغفل عنه في الحياة وهو خاتمة الحياة، قد كان بالأمس يَنعى وهاهو اليوم ٌينعى، فتخيل نفسك وملك الموت واقف ينتظر الأمر بنزع روحك، فما أعظم مصيبتك إن كنت ممن فرط في جنب الله، وكان من الساخرين، وما أسعدك إن كنت ممن قال ربنا الله ثم استقام، وليست المسألة بعيدة، ربما كانت أقرب إليك مما تتصور، فكم من مصلّ للظهر ما أدرك العصر إلا في الدار الآخرة، فخذوا حذركم، ويا إخوان الغفلة تيقظوا، ويا مقيمين على الذنوب انتهوا واتعظوا، فوالله ليس هناك ممن هو أسوأ حالا ممن استعبده هواه، وليس هناك أخسر صفقة ممن باع آخرته بدنياه، ولكنها الغفلة التي شملت قلبه، والجهل الذي ستر عنه عيبه، أما فكرت و لو للحظة واحدة، ماذا لو قبض الله روحك على هذه الحالة، أما فكرت فيما لو بعثك الله على معصيتك هذه يوم القيامة؟

الصفحات