أنت هنا

قراءة كتاب أسرار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسرار

أسرار

كتاب " أسرار" ، تاليف سليمان سليم التلاحمة ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

إحساس رجل

لم تنتهِ الحياة على وجه الأرض بعد كما يعتقد الكثير من البشر، بل نستطيع القول بأن هذه الحياة قد أُعِدَّت من جديد، فكم من الوقت سيحتاج البشر لملء فراغهم النفسي الذي لا يُحدث سوى الهلاك والدمار في حياة الكثير منهم.

في الإنسان جانب مجهول الهوية، وهو جزء لا يتجزَّأ منه موجود لدى كل واحد منَّا، وهو الذي يحيي العزيمة في الروح أو يثبِّطها، ويسعدها ويبكيها، سأتحدث عنه لأنه أسطورة في أجسادنا، لا نعرف سرَّه ولكن نشعر به في كل لحظة، نتحدث عنه ولا نستطيع أن نلمسه أو أن نراه ضيفاً موجوداً في أرواحنا، يرسم الابتسامة والدموع، يرسم الفرح واليأس، ألا وهو الإحساس أو المشاعر أو حتى العاطفة، فقد يختلف من شخص إلى آخر بكل ما تحمله الحياة من معانٍ كثيرة، ويختلف في تفاصيله وشدة ما يصنع في ثنايا الروح لدى كل من الشاب والفتاة.

لماذا يرى الجميع أن الشاب أو الرجل لا يمتلك مشاعر وأحاسيس بقدر ما تمتلك الفتاة؟

سأجيب عن هذا السؤال وأدافع عن الرجل، وإجابتي هي: أن ما رأيته في حياتي شاب مضى على وجوده في هذه الحياة 26 عاماً، مضت من عمري كأنها لحظات لا أكثر، لحظات مرَّت كلمح البصر وكانت أسرع من البرق، إن لكل منَّا مشاعر وأحاسيس، وأقول عن نفسي وعن أصدقائي أننا نحمل من المشاعر ما لا تستطيع الجبال أن تحمله، ولكن من الصعب علينا أن نظهرها أمام الآخرين، لأننا أصبحنا في زمن عندما نتحدث فيه عن الإحساس والمشاعر فإن محيطنا من البشر يبدؤون بتحليل ما نقول كلٌّ حسب ما يراه من وجهة نظره، وتكون غالباً إنساناً على خطأ، ولذلك فإن المقولة المشهورة ( إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب) تبقى جليسنا في كل لحظة وفي كل مكان.

في أحد الأيام كنت جالساً في كافتيريا جامعة الإسراء، كنت أجلس وحيداً أتصفَّح دفاتري وأكتب عبارات عديدة، أكتب فيها الحب، أكتب فيها الغزل وأنا لا أعلم ما هو الحب، تقدَّم مني أحد أصدقائي، وكانت خطواته ثابتة لم أسمع لها صوتاً، ثم وقف أمامي صامتاً فنظرت إليه وقلت له: اجلس، ما بك تقف هكذا؟ ولماذا كل هذا الصمت؟، أشار بيده إلى صدره ،وقال لي بصوت جريح: أريد الخروج من المكان، ولم يلبث من الانتهاء من كلماته المختصرة حتى انسابت دموعه على وجنتيه، فنهضت بسرعة وتركت كل شيء أمامي واحتضنته ثم خرجنا سوياً من المكان، صوت جريح وبكاء بحرارة ولا أدري ما الذي حدث، وبعيداً عن الأنظار جلسنا سوياً، تحدثت إليه وسألته: لماذا هذا البكاء؟ لم يجب على سؤالي، وأعطاني ورقة كتب عليها "وادي المجهول"، قرأتها بكاملها وقلت له: لا يهمني ما بداخلها، أخبرني.. ما بك؟ فقال لي: لماذا عندما تخلص تلقى الغدر والخيانة؟ لماذا عندما تحب تصبح غبياً أمام الجميع؟ لماذا لا يقدرون مشاعرك؟ لماذا يجب عليك أن تغير من صدقك لتصبح كاذباً؟ ولماذا ماتت قصة بدأتها منذ عامين بلحظة واحدة؟، نظرت إليه بصمت وبدأت بالحديث إليه إلى أن شعرت به قد هدأ ولم يعد بتلك العصبية التي كان بها، فقد كان شديد الانفعال، وغادرت المكان وهو مبتسم، وكنت قد وعدته بشيء لا يخطر في بال أحد، وهو أن أكتب قصته بأسلوب لن يستطيع تفسيره أحد، وجعلت من ورقته "وادي المجهول" كتاباً مليئاً بالحب والعطاء، فيه الحب والخيانة.. فيه غدر الأصدقاء، وأوفيت بوعدي له ولكن بعد أعوام، وسأوافيكم بتفاصيله في يوم من الأيام.

وفي اليوم التالي ذهبت إلى الجامعة، وتوجهت نحو كلية العلوم الإدارية (الكلية التي كان فيها صديقي)، وبقيت أنتظر قدومه، لم يأتِ ولذلك اتصلت به، فوجدت هاتفه مغلقاً، مرَّت أيام وأيام وظل بداخلي أمل يخبرني بأنه سيعود، لا أعلم أين هو، ولا أحد يعلم عنه أي شيء، توجهت إلى وحدة القبول والتسجيل وسألتهم إذا كان قد انتقل إلى جامعة أخرى أم لا، فأجابوني بأنه ما زال في كلية العلوم الإدارية.

وبعد مرور عامين وفي تمام الساعة الرابعة مساءً دخلت كلية الآداب وإذا بشاب ملتحٍ، يتقدَّم نحوي ويحتضنني، ذُهلت من الموقف وابتعد عني خطوة ونظر إلى عيناي وبدأ بالضحك، تمعَّنت جيداً في وجهه، هذا الوجه مألوف لدي، وسألت نفسي: من هو؟ تردَّدت كثيراً قبل أن أنطق الاسم، ثم قال لي: أنا صديقك، واحتضنني بحرارة، يا إلهي.. كان هو، كان صديقي، كان في السنة الثانية في قسم الشريعة وأنا في الكلية نفسها، ولكنني كنت أصل إلى الجامعة في تمام الساعة الرابعة عصراً وهو يغادر في تمام الساعة الواحدة، تغيرت حاله من شاب يعشق الضحك والحب والرومانسية إلى شاب ملتزم وطالب في قسم الشريعة، وكل ذلك بسبب قصة حب أصبحت سراباً، كم أنت رائع يا صديقي!

هذا إحساسُكَ وهذه مشاعرك كرجل ودَّع الدنيا بما فيها، ورأى نفسه في دينه، كم أفتقدك وكم أحبك.

الصفحات