كتاب " دليل الحركات الإسلامية المصرية " ، تأليف عبد المنعم منيب ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب دليل الحركات الإسلامية المصرية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تضمن المرسوم بقانون رقم 180 لعام 1952م أي في أول خمسة أشهر من حكم الثورة إلغاء الوقف الأهلي كما كانت هناك إجراءات صحبت ذلك كله وأخرى تتابعت في السنوات التالية أدت فيما بعد إلى وضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بآخر إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، حتى أن الهيئة تسلمت 137 ألف فدان من أراضي الأوقاف بسعر 17.5 مثلاً لضريبة الأطيان المربوطة عليها أي أن قيمة الفدان بلغت خمسين جنيهاً في حين زادت قيمته الحقيقية بسعر السوق في ذلك الحين على ألف جنيه، ولذلك عجزت وزارة الأوقاف عن تأدية رسالتها لأن هذه الأراضي كانت تدر على الأزهر في السنة الواحدة 8 ملايين جنيه وبتطبيق هذه القوانين انخفضت الإيرادات إلى 800 ألف جنيه إذ أن الريع تم تحديده بـ3% أو 4% من قيمة سندات سلمت لها كبديل للأرض ورغم ذلك امتنعت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن سداد الريع المستحق، الأمر الذي جعلها مدينة لوزارة الأوقاف بمبالغ مالية هائلة، هذا فضلاً عن تبديد الهيئة لأغلب هذه الأوقاف لا سيما أوقاف الخيرات الموقوفة على المساجد، وبهذا ضربت ثورة 23 يوليو 1952م الركيزة الاقتصادية لعلماء الأزهر تلك الركيزة التي كانت تجعلهم في غنى عن أموال الحكومة الأمر الذي كان يكفل لهم الاستقلال عن الحكومة ويتيح لهم معارضتها دون الخوف من قطع مرتباتهم أو تشريد أسرهم من بعدهم.
وعلى حين عوملت أوقاف المسلمين هذه المعاملة استثنيت أوقاف غير المسلمين من أحكام هذه القوانين حيث وضعت لها قوانين خاصة وتركت لكل كنيسة أوقافها في حدود مئتي فدان وما زاد عن هذا كانت الدولة تأخذه وتدفع ثمنه بسعر السوق وهو ما أدى في أواخر السبعينيات إلى مناداة عدد من الأصوات في مجلس الشعب بمساواة أوقاف المسلمين بأوقاف المسيحيين.
ثم كان إلغاء المحاكم الشرعية خطوة بارزة قامت بها ثورة يوليو لتقليص دور مؤسسة الأزهر في الحياة العملية للمصريين خارج توجيه الحكومة إذ أن ممارسة هذه المحاكم الشرعية لنشاطها كانت تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية عن الحكومة خاصة في مجال المنطلقات الأيدولوجية، وعبد الناصر وثورة يوليو كانا يهدفان إلى تأميم الدين لصالح نظام الحكم فكان لزاماً القضاء على هذه المحاكم التي كان يستحيل تأميمها لصالح النظام الحاكم، و كانت ثورة يوليو واعية بذلك منذ البداية إذ ألغيت هذه المحاكم بقانون رقم 462 لعام 1955م، وبذا بدأت هيمنة ثورة 23 يوليو على القوة الإسلامية الأكبر في مصر وفي العالم الإسلامي وهي الأزهر الشريف وعلمائه، حيث شكل إلغاء المحاكم الشرعية تحدياً لنظام الشريعة الإسلامية نفسه في دولة إسلامية يعلن دستورها أن دينها الرسمي هو الإسلام.
وبإلغاء المحاكم الشرعية وبالهيمنة على إدارة الأوقاف نجح الرئيس جمال عبد الناصر فيما فشل فيه الاحتلال الغربي من الهيمنة على أبرز مؤسسة لعلماء الإسلام في العالم كله.
وقد شنت أجهزة إعلام الدولة - الثورة حملة إعلامية صاحبت ذلك كله، ووصفته بأنه ثورة جديدة تجري داخل الأزهر وتقودها الدولة من أجل التجديد والتقدم لخدمة الأزهر والإسلام، وبلغ الأمر أن هاجم د.محمد البهي في جلسات مجلس الشعب (1961م) ما وصفه بأنه جو العداوة والجمود الذي يسود الأزهر وقال: "إن الثورة أعطت الإصلاح للأزهر لأن الشيوخ لم يريدوه"، و كان محمد البهي أحد الموالين لعبد الناصر داخل الأزهر.
وبعد أن هيمن عبد الناصر على الأزهر وموارده الاقتصادية كان عليه أن يكرس هذه الهيمنة بقانون رسمي محدد المعالم فتم إصدار قانون تنظيم الأزهر (103 لسنة 1961م).
وكي يتضح المدى الذي كبلت به الحكومة مؤسسة الأزهر لابد أن نعود إلى أحداث جلسة مجلس الأمة (البرلمان) التي أقرت قانون تنظيم الأزهر، يقول فتحي رضوان: "لإجبار المجلس على الموافقة حضر رجال الثورة وجلسوا أمامنا على المنصة، وتحديداً كان على المنصة أنور السادات وكمال حسين وكمال رفعت، وهدد أنور السادات المجلس عندما علت أصوات تعارض مشروع القانون قائلاً: كانت ثورة في 23 يوليو 1952م والذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام واليوم ثورة جديدة وسيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير".
ووفقاً للوثائق الرسمية فإنه تغيب عن جلسة إقرار القانون بمجلس الأمة 179 عضواً أي ما يعادل 49% من إجمالي أعضاء المجلس، ووفقاً لنفس الوثائق الرسمية فإنه لم يعترض من الأعضاء الحاضرين سوى النائب صلاح سعدة، بينما ذكر فتحي رضوان أن أكثر من نصف الحاضرين عارضوا القانون.
وهذا القانون وإن كان أعاد تنظيم الأزهر فعلاً وقسمه إلى هيكل تنظيمي جديد لكنه ربط هذا التنظيم كله بجهاز الدولة خاصة رئاسة الجمهورية بشكل مباشر، فشيخ الأزهر ووكيل الأزهر ورئيس جامعة الأزهر يعينهم رئيس الجمهورية، كما أن جميع أجهزة الأزهر الرئيسية كالمجلس الأعلى للأزهر وجامعة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية ينفرد رئيس الجمهورية بتعيين القيادات العليا فيها، فمجمع البحوث يرأسه شيخ الأزهر وأعضاء المجمع يعينهم رئيس الجمهورية، أما جامعة الأزهر فبالإضافة إلى انفراد رئيس الجمهورية بتعيين رئيس جامعة الأزهر فعمداء الكليات يعينهم أيضاً رئيس الجمهورية، وبصفة عامة فالهيكل العام الإداري والمالي للأزهر أصبح وفقاً لقانون تنظيم الأزهر جزءاً من الهيكل المالي والإداري للحكومة (أي السلطة التنفيذية).
وبعد كل هذا فكيف للأزهر أن يعصي لرئيس الجمهورية أمراً فضلاً عن أن يعارضه؟؟
ولكن ما النتيجة العملية لهيمنة نظام ثورة يوليو على الأزهر؟؟
النتيجة أن الأزهر لم تصدر من داخله أية مواقف أو تصريحات تعارض النظام الحاكم لا من قريب ولا بعيد، بل بالعكس وقف إلى جانب جمال عبد الناصر في كل مواقفه ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر يساند بها جمال عبد الناصر في صراعه مع محمد نجيب (الأهرام 17 فبراير 1954م)، وأيضاً التأييد الذي قدمه الأزهر لنظام حكم جمال عبد الناصر فيما يتعلق باتفاقية الجلاء (الأهرام 26 فبراير 1954م)، وكذلك المساندة التي قدمها الأزهر لنظام حكم جمال عبد الناصر إثر الأزمة مع إسرائيل التي سبقت هزيمة يونيو 1967م بإعلان تأييده لجمال عبد الناصر ومباركته لخطواته في صد عدوان الصهيونية والاستعمار (الأهرام 25 مايو 1967م ).
واستمر الأزهر على هذا النهج مع خلفاء جمال عبد الناصر الرئيس السابق أنور السادات والحالي حسني مبارك، وقد أدى ذلك كله إلى إضعاف مكانة الأزهر في نفوس المسلمين وبالتالي تدهور دوره ومكانته كمرجعية عليا للدعوة الإسلامية والإفتاء لكل المسلمين، وبدأ الكثير من المسلمين يضعون ثقتهم في العديد من الناشطين الذين ينتمون إلى الحركات الإسلامية والذين يطلق عليهم الدعاة.
وهذا كله زاد من مكانة ودور الحركة الإسلامية بجميع فصائلها.