كتاب " قضايا وتجليات في رسائل النور " ، تأليف د. مأمون فريز جرار ، والذي صدر عن دار المأمون للنشر والتوزيع عام 2014 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب قضايا وتجليات في رسائل النور
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

قضايا وتجليات في رسائل النور
العمل الإيجابي البناء
ومنزلته في دعوة النور
الابتلاء سنة من سنن الله تعالى في الأرض، ومن ألوان الابتلاء وقوف الكافرين والعصاة في وجه الدعاة إلى الله ليصدوهم عن الدعوة إلى الله، ويصدوا الناس عن الاستجابة لهم. ومن نظر في سير الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم، وجد أن (الملأ) وهم علية القوم الذين أنعم الله عليهم بالجاه والمال، يقفون بالمرصاد للأنبياء، ينتقصون من شخصياتهم، ويهزؤون بمن آمن معهم. وكذلك كان حال المشركين مع رسول الله ( ومن اتبعه من المؤمنين. وقد مضى رسول الله ( ومن معه من المؤمنين على درب الدعوة، سلاحهم الصبر على الأذى، والبحث عن مأمن يمكنهم من الدعوة وتبليغ رسالة الله، والعيش بعيدا عن الفتنة التي تمنعهم من أمر دينهم.
ونلاحظ أن المسلمين في العهد المكي لم يرفعوا السلاح في وجه الكفار، على ما نالهم من أذى بلغ حد القتل أحيانا، والعذاب الأليم أحيانا أخرى، مما دفع بعضهم إلى الهجرة إلى الحبشة: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) النساء: 77، فلما صارت للمسلمين دار أمان في المدينة المنورة، وصارت لهم دولة واجهوا القوة بالقوة التي تردع الكافرين، والتي تفتح الطريق للناس إلى نور الإسلام طائعين غير مكرهين.
ولم يحدث في تاريخ الإسلام في ما أعلم - قبل عصرنا الحديث - أن تحولت دولة إسلامية من دار أمان للمسلمين إلى دار تشن الحرب على الإسلام فتمسحه من الحياة، وتشن الحرب على الإيمان فتسعى إلى إطفاء نوره، واقتلاع جذوره من القلوب، لم يحدث ذلك قبل الانقلاب الذي حدث على الدولة العثمانية فألغى السلطنة والخلافة، وحولها إلى جمهورية لادينية، بل حولها إلى أرض تحارب فيها شعائر الإسلام وتطمس فيها أنوار الإيمان.
ذلك ما كان، فكيف كان رد فعل المسلمين في تركيا التي انسلخت من ماضيها العثماني؟
كان الأمر مستفزا لمشاعر المؤمنين فاتخذ بعضهم الثورة على النظام الجديد وسيلة للمقاومة، ولكن النظام الجديد المتسلح بوسائل القوة الرادعة استخدم قوته في مواجهة الثائرين، وسقط الشهداء والجرحى، وفتحت المعتقلات للمجاهدين، ونفي منهم من نفي من دياره إلى أنحاء أخرى من الجمهورية الوليدة، ومضت الدولة في خطتها لحرب الإسلام ونزع الإيمان، والحيلولة بين الناس وأنوار القرآن(1). فكيف تحافظ تركيا على هويتها؟ هل تستسلم؟ أليس هناك من سبيل للمقاومة؟
كان الجواب لدى الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي6 داعيا، وفي رسائل النور منهجا، وفي العمل الإيجابي البناء أسلوبا للدعوة.
كان الأستاذ سعيد النورسي6 في أواخر الأربعينات من عمره الخصب بالتجارب، علما وتعليما، وسعيا إلى إصلاح التعليم في ديار الإسلام، وجهادا في سبيل الله، ومعاناة للأسر في روسيا، واطلاعا على ما يحاك ضد الإسلام وأهله من مؤامرات، ويقظة إيمانية بدلت نظرته إلى النفس والحياة والموت والدنيا والآخرة، وخبرة بواقع علماء الإسلام من خلال دار الحكمة الإسلامية التي صار عضوا فيها بعد العودة من الأسر، وبصيرة بالفتنة القادمة، ومعرفة بنوايا مدبريها(2). كل ذلك أهّل الأستاذ النورسي( ليمضي في طريق المواجهة مع إعصار الفتنة المقبلة بعنف، المصممة على تنفيذ مخططات الأعداء في صورة تنزع من تركيا ملامح وجهها الإسلامي بل تغير فصيلة دمها، وتحول قبلتها.
كان ما حدث في تركيا ردة بكل ما تعني الكلمة من معنى، وشمل ذلك إلغاء السلطنة وإعلان الجمهورية، ثم إلغاء الخلافة، وإصدار القوانين التي غيرت أحرف الكتابة من العربية إلى (اللاتينية)، ومنع الأذان بالعربية، وإصدار مجموعة من القوانين المتتابعة التي بدأت تحرم كل ما له علاقة بالإسلام، وبدأت بتدريس الإلحاد(3).
كان ذلك مبعث نقمة عارمة لدى المؤمنين في تركيا، واختلفت المواقف في مواجهتها، فمنهم من نادى إلى الجهاد والثورة المسلحة (مثل الشيخ سعيد بيران)، ومنهم من آثر الهجرة إلى ديار يستطيع فيها إقامة شعائر الله (منهم شيخ الإسلام مصطفى صبري)، ومنهم من لاذ بالصمت وكظم غيظه. فماذا كان موقف الأستاذ النورسي 6؟