كتاب " الصوت والمعنى في الدرس اللغوي عند العرب في ضوء علم اللغة الحديث " ، تأليف د.تحسين عبدالر
أنت هنا
قراءة كتاب الصوت والمعنى في الدرس اللغوي عند العرب في ضوء علم اللغة الحديث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الصوت والمعنى في الدرس اللغوي عند العرب في ضوء علم اللغة الحديث
المحور الثاني: اللغة Language اللسان langue الكلام parole
يقودنا الكلام على حد اللغة إلى أن نقف عند اصطلاحات ثلاثة، وقف عندها علماء اللغة المحدثون، وفصلوا القول فيها؛ لأن الكلام على هذه الاصطلاحات بالشكل الذي يخدم هذه الدراسة، مما له صله مباشرة بدراسة الصوت وعلاقته بالمعنى، تلك الاصطلاحات هي اللغة language واللسان langue والكلام parole فإن وجد أن ثمة ارتباطاً عضوياً بين هذه الاصطلاحات الثلاثة، ولم أكن أول عارض لهذا الموضوع، بل سأحاول أن أقدمها بشكل غير ما يطرحة من سبقني، على أنني سأستفيد من مقالات كل أولئك، متتبعاً إيّاها عند من تقدم من لغويينا العرب الأول.
لقد حدّ اللغويون العرب اللغة بأنها أصوات([35])، وأنها من اللغو، قال تعالى: (اوأذا تروا باللغو مروا كراما)[سورة الفرقان، الآية: (73)، أي بالباطل([36])، وفي الحديث: "من قال في الجمعة صه فقد لغا: أي تكلم أورده ابن جني([37])، والسيوطي([38])، فاللغو هو التكلم، وقد ورد عن إمام الحرمين معنى اللغة أنها "من لغي يلغي من باب رضي إذا لهج بالكلام، وقيل من لغى يلغى([39])، فاللغة بمعنى تكلم أي تكلم كلاماً، وبهذا تكون اللغة أعم من الكلام.
تبين من هذا أن اللغة عند القدماء هي الكلام الموضوع للدلالة على معان في ذهن السامع، أو في الألفاظ الدالة على ذلك، وهي عند ابن جني أصوات يشترط فها أن تؤدى معاني تستقر في أذهان متداولي اللغة، ولا تختلف التعريفات كثيراً، فالأصوات هي المكونة للألفاظ، وتدل على علاقات بينها هي الدلالة على المعاني، وبذا تكون الأصوات هي المكونة للألفاظ، والألفاظ هي المكونة للكلام، والكلام يكوّن اللغة.
ويتردد تعريف اللغة([40]) عند الفلاسفة: "أنها وظيفة التعبير اللفظي عن الفكر سواء كان داخلياً أو خارجاً"، وبهذا المعنى قال دولاكروا: إن نية الكلام وهي ليست بالضرورة لغة، بل ليست لغة داخلية، تقضي إلى اللغة الداخلة أي الكلام.
وعلاقة الكلام باللغة هي ما قاله العلماء العرب القدامى، فماذا صنع المحدثون؟، كل ما في الأمر أنهم جعلوا اللغة وظيفة في المجتمع يؤديها متداولوها، على أن في المجتمع وظائف يؤديها الأفراد، واللغة واحدة من الوظائف أو نشاط من أنشطته.
ويرى بعض المحدثين([41]) أنها – اللغة - نظام من العلائق يشترط أن تكون دال، ليمكن استعمالها وسيلة للاتصال. وقد قال علماء العربية الأول ذلك، ونقل د.عثمان أمين([42]) تعريفاً للغة لباحث لغوي يرى أنه من التعريفات الدقيقة وهو: "أنها القدرة على اختراع الرموز أو العلاقات الدالة أو استعمالها قصداً وعمداً"، وهذا كلام يبدو لي أنه عام وغير دقيق؛ ذلك لأن اللغة ليست القدرة الفردية على اختراع الرموز أو العلاقة وإنما نتاج مجموعه بشرية، وحينما أورد التعريف القدرة لم يحدد نوعها.
ويعرف هالة([43]) اللغة بأنها: "نمط اجتماعي منظم يتواصل بها البشر الواحد مع الآخر". فهي نظام إنساني بحث عند هالة، لأنه يتطرق إلى المجتمع والتواصل البشري بين متداولي اللغة، فهي بنت المجتمع، ويظهر أن هذا التعريف اجتماعي سلوكي؟ لأن فيه إشارة إلى جوانب سلوكيه تميز بالاستجابات في مقابل مثيرات معينة، وأنه قع في إطار مصطلح السلوكيين.
ويمكن أن نتصور اللغة على أنها نظام أي قانون، ويعني ذلك خضوعها لتنظيم معين في مستوياتها الأربعة: الصوتية، والصرفية، والنحوية، والدلالية، وهذا النظام ليس فوضوياً، بل يخضع لتنظيمات محددة، وهي في الأساس أصوات.
فلقد تكلم الإنسان باللغة قبل أن يتمثلها كتابة، كما أن الطفل يتكلم باللغة قبل أن يستطيع كتابتها. واللغة رموز، أي أن الكلمات رموز لما تدل عليه، فهي على هذا نظام ترميز، وعلى متداولها يقع حل تلك الرموز، ووظيفتها نقل الأفكار والمشاعر، وليس نقل الأفكار فقط، ويبرز أثرها في نقل المشاعر في عبارات المجاملة والتحايا والمواساة التي يتبادلها الناس، فهم الذين يتبادلون المشاعر، ويتبادلون الأفكار، فأثرها اجتماعي منطقي فضلاً عن أثرها الفكري الإعلامي.
واشرع بالحديث عمّا يعينه (الكلام) في درس اللغويين العرب القدماء، ونبدأ بمقالة الزجاجي([44]) إذ يقول: "إنما جعل الكلام لعبر به العباد عما هجس في نفوسهم، وخاطب به بعضهم بعضا بما في ضمائرهم مما لا وقف عليه بالإشارة ولا بإيماء ولا رمز بحاجب"، فقد أخرج كل ما لا يعمل فيه جهاز النطق مثل الإشارة، أو الإيماء أو الرمز، وإنما هو تعبير عما في هاجس النفوس فهو أثر نفسي، يعتمد على المخاطبة فيما بين المتكلم والسامع، وشرط فيه أداؤه معنى تاماً يستقر في ذهن السامع.
وقد قال الرضي([45]) (684 هـ): "إن اشتقاق الكلمة، والكلام، من الكلام، وهو الجرح لتأثيرهما في النفس، ومنه قد استفيد المعنى الاصطلاحي، وهو التأثير في النفس، إذ الكلام عنده لم يخرج عما جاء به الزجاجي، والكلام عند الرضي مما يطلق على المفيد والمهمل.
وذكر ابن عصفور([46]) (668 هـ) معاني للكلام منها أنه "لفظ مشترك بين معان كثيرة، منها المعاني التي في النفس"، ويستدل على ذلك بقول للأخطل في قوله:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
ومن المعاني التي ذكرها ابن عصفور الاشبيلي أنه –الكلام- مما فهم من حال الشيء، فضلاً عن المعاني المستقرة في النفس، وبذا سمي قولاً، قال الله تعالى: )ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله([سورة المجادلة، الآية: 8]، فقد جعل المعاني التي في النفس قولاً، ومن المعاني الدالة الإشارة، وعليه قول الشاعر:
إذا كلمتني بالعون الفواتر وددت عليها بالدموع البوادر
فجعل الإشارة بالعين كلاماً.