كتاب " منهجية الإخراج المسرحي " ، تأليف د.
قراءة كتاب منهجية الإخراج المسرحي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
4- الرؤية الفنية
لقد كان للظروف السياسية والاجتماعية التي ولد وترعرع فيها الكاتب الأثر البالغ في تحديد خطوط حياته وتثبيت نظرته وموقفه من هذه الحياة لا سيما بعد أن أصبح يعي مجريات الأمور من حوله، فكان لقضية وطنه أبلغ الأثر في تفجير عاطفته ونظرته الثورية، حيث ظهرت توجهاته جلية من خلال رؤيته الفنية، فـ (جمال بنورة) يرى أنه لا نستطيع تحقيق أهدافنا وطموحاتنا الكبرى في التحرر والاستقلال الوطني إلا من خلال الثورة ومواصلة النضال.
وكان لسيادة الاتجاه الثوري في الحياة الفلسطينية عامه أثره البالغ في ظهور هذا الاتجاه في أدبه القصصي والمسرحي، فاعتمد الواقعية الاشتراكية كمنهج أدبي ليعبر من خلالها عن رؤيته الفنية باعتبار أنها (تتبنى كل المنجزات الفنية التي حققتها الواقعية النقدية، لكنها تمتاز عنها بأنها وليدة عصر أصبحت قوانين التطور فيه والوسائل الممكنة لقلب المجتمع أكثر وضوحا وجلاء، ومن هذه الناحية أصبح مفهوم الثورة من أهم عناصر الواقعية الجديدة)(11).
إن (جمال بنورة) يرفض واقع الاحتلال رفضا مقيتا، ويرى أن الثورة تحقق واقعا بديلا للواقع اليومي يتمثل بالتحرر وطرد المحتل، وانطلاقا من قناعاته الماركسية يؤكد دائما على دور الماركسيين في تحريك الشارع الفلسطيني ضد المحتل، ففي مجموعته القصصية (حكاية جدي) وتحديدا في قصة (المواجهة)، يصر أحد الوجهاء والمحاسيب الذين يقفون من المقاومة موقفا سلبيا على أن التظاهرات هي من تدبير الشيوعيين:
(- لن نسمح للشيوعيين أن يتحكموا في مقدرات البلد... وضعهم في السجن أريح لنا.
- ولماذا الشيوعيين ؟
- من تظن أنه يحرض الناس على الإضراب والتظاهر ؟)(12).
لقد فرق (جمال بنوره) بين فلسفته الثورية الخاصة والنظرة التي يحملها عن الواقع، حيث طغت تجربته الشخصية في كتاباته، فظهر من خلال أبطاله وشخوصه مرتديا رداء المناضل الثوري، وإزاء ذلك فقد ألغت الإيديولوجيا الفن وتغلبت عليه في كثير من قصصه فأصبح (القول الأيدلوجي إذن هو الذي يستتبع القصة وليس العكس.. أي أن قصد الكتابة ورؤيتها لا تخرج من جسد التجربة، بل تلصق رؤية الكتابة على جسد القصة في غياب التجربة وحضور الذهنية كفاعل أساسي في الكتابة القصصية عند جمال بنورة)(13) الذي عرض صورا متنوعة ومتعددة من تجربته الشخصية، التي نبعت من خلال معايشته للواقع الفلسطيني تحت الاحتلال، وقدم رؤيته الفنية بأسلوب أدبي رفيع المستوى من أجل أن يعرض مأساة الإنسان الفلسطيني.
وقد ركز جمال في أدبه على موضوعات ركزت في التصميم على الكفاح والنضال و إبراز الطغيان الصهيوني، مبينا في الوقت نفسه مدى تعلق الشعب الفلسطيني بأرضه وتحديه لكل القوى التي تسعى للنيل من حقوقه، لكن (الكاتب لا يدع لالتزامه الفكري أن يتدخل أكثر مما يجب في مادة قصصه، فهو في الأغلب الأعم يدع للتجربة القصصية أن تقول غايتها الأخيرة دون افتعال، وحينما يعمد إلى إيراد بعض جوانب الواقع السياسي اليومي، سواء أكان ذلك متعلقا بالوطن المحتل أم بما يكتنف الواقع السياسي العربي من مهازل وسلبيات، فإنه يفعل ذلك عبر إشارات سريعة لا تفسد إيقاع قصصه أو تحدث انقطاعا في تواتر هذا الإيقاع)(14)، وهذا يؤكد مدى التصاق الكاتب بواقعه الحياتي الذي يعيشه، لا سيما أنه قام بنقل ذلك الواقع حرفيا في كثير من كتاباته.