كتاب " آمنت بربكم فاسمعون " ، تأليف محمد سعيد رمضان البوطي ، والذي صدر عن دار ا
أنت هنا
قراءة كتاب آمنت بربكم فاسمعون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تقديم
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
هذه قصة بسيطة...
بسيطة في صياغتها، وأسلوبها، وعباراتها!.. لم تقم على شيء من روعة البيان، ولا براعة الأسلوب، ولم ينضبط نسيجها بمنوال ما يسمونه الفن القصصي، ولا دخل في شيء من لحمتها أو سداها خيط خيال، أو طيف تصوير.
ومع ذلك فقد نالني من التأثر الشديد بهذه القصة البسيطة بهذا الشكل ما لم أجده لدى قراءة كثير من روائع القصص لمشاهير الأدباء والكاتبين!.. ولقد انجرفت منها في تيار من العواطف والمشاعر التي تتحكم بمجامع القلب، ما كانت لتستثيرها بين جوانحي أقلام أبدع القصاصين، ولا ريشة أروع الفنانين والمصورين!..
فمن أي سبيل سرى إلى نفسي كل هذا التأثر، من قصة ذاتية، ما أيسر أن يحبك خيراً منها في الصنعة والأسلوب أي طالب ثانوي في الفرع الأدبي؟..
لقد سرى كل ذلك إلى نفسي من خلال سر واحد انطوت عليه قصة هذه الكاتبة، هو: الصدق!.. الصدق في التعبير، والصدق في العاطفة، والصدق في الاعتقاد.
إنك تقرؤها، فلا تشعر إلا أنك تلمس نبضات قلب.. وتندمج بين طيات شعور.. وتخشع لجلال يقين..
ولعمري إن جميع فنون الصنعة الكلامية، مهما سمت وتضافرت، لن تغني عن حرارة الصدق إذا ما افتقر إليها الكلام، بل لا تعود تلك الفنون إلاّ أثقالاً يمجها الذوق ويضيق بها الشعور. وما أصدق ما قاله الحكماء قديماً: ليست النائحة كالثكلى!..
لا جرم إذن أن ذروة الفنّ الكلامي وغايته، إنما يتمثلان في الصدق، لا فرق بين أن يتهيأ ذلك للإنسان قفزاً، كما هو الحال في كاتبة هذه القصة، أو أن يرقى إلى إبرازه والكشف عنه في سلم من أعمال الصناعة الأدبية وفنونها المختلفة.
إنما السماجة، كل السماجة، في أن تدور صناعة الكلام حول نفسها، دون أن تحتوي على أي مضمون إنساني، يصدق المتكلم في الشعور به، والتعبير عنه. وإنَّ للنفاق ألواناً، ولكن أثقل أنواعه على القلب ذاك الذي يحاول أن يتبرقع بفنون الإثارة والبيان، ومظاهر الصنعة الكلامية والكتابية، ليجعل صاحبه من التمثيل حقيقة لا وجود لها في شيء من قاع شعوره ولا أعماق وجدانه.
كاتبة هذه القصة، امرأة أمريكية، تذوقت منذ صباها طعم حرية العقل، فتعشقتها، ثم اندفعت من هذا المنطلق في طريق شاق وطويل.. كان أوله نقد كل عقيدة دينية تنهض على ضرورات الخضوع للبيئة، والانسجام مع التقاليد، وكان آخرُهُ اعتناق الإسلام من مستوى الفهم له أولاً، واليقين به ثانياً، والالتزام الكامل به ثالثاً.
تلك هي خلاصة القصة.
أما جوانب الأهمية فيها، فكثيرة. ولكني ألفت نظر القارئ منها إلى ما يلي:
أولاً - إن في قصة هذه المرأة مع الإسلام، وكفاحها الذي تحملته في سبيل البلوغ الحقيقي إليه، ما يقطع دابر تلك الحجة الواهية التي تدور على ألسنة كثير من الشاردين والجانحين؛ عندما يقول أحدهم، وهو قابع في أقصى أودية الكسل والخمول: ما ذنب الذين نشؤوا في بيوت أو مجتمعات بعيدة عن الإسلام، بحيث لم يتهيأ لهم أن يفهموه على حقيقته، ولا أن يتلقوا التربية الملائمة لنهجه؟..
لئن كان الواحد من هؤلاء ينشأ في بيت لا يعرف الإسلام ولا يسعى إلى التمسك به، فإن صاحبة هذه القصة نشأت في دنيا من ظلمات الكفر والفجور والانحلال. ومع ذلك فقد توافر لها من الاستشعار بأهمية الخطب وخطورته، ومن الاعتزاز بحرية البحث والنظر، ما أعانها في تمزيق تلك الظلمات كلها، لتقف من ورائها على الفجر الصادق، ولتستنشق عبير النور الخالص، ثم لتفرق بكامل يقينها العقلي بين الحق والباطل.
اصطدمت بعقبات عاتية من حواجز البيئة، ومكائد التبشير، ونوازع الأهل، فاستعلت على كل ذلك وتجاوزته ثم تحررت منه!..
قامت أمامها حواجز العجمة والجهل بالإسلام، فبدأت من حيث يبدأ الصغار في مدارسهم الابتدائية؛ تدرس في «قراءاتهم» وتسير على طريقتهم، تتحمل أقسى درجات الصبر والأناة، دون أي شريك معها أو معين لها، حتى تعلمت اللغة العربية الفصحى، وتخلصت من سجن عجمتها. ثم أقبلت تتعلم القرآن وتتبين عن طريقه حقائق الإسلام.