كتاب " علم البديع " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب علم البديع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
3- التَّدْبيج
من أنواع الطباق نوعٌ سمّوه «التدبيج» وهو من الدبج، ومعناه النقش والتزيين.
وتعريفه : «أن يذكر في معنى من المدح وغيره ألوان بقصد الكناية أو التورية».
فالتدبيج أضيق من الطباق، لأنه مختص بالألوان وحدها، والمقصود بالألوان ما دون السواد والبياض، لأن هذين اللونين متضادان على الحقيقة، فما بينهما طباق. وأما ما عداهما من الألوان فليس بينها تضاد على الحقيقة، فلا يقع بينها طباق، بل يقع ما يشبهه وهو «التدبيج» بشرط أن تستعمل هذه الألوان في موطن التورية أو الكناية عن معنى من المعاني كما ذكرنا.
ومن أمثلة التدبيج قول أبي تمام يرثي محمد بن حميد:
تردّى ثياب الموت حمراً فما أتى
لها الليلُ إلا وهي من سندسِ خُضْرُ
استخدم الألوان (حمر) و(خضر) وكَنَى بكل لون عن معنى من المعاني: كنى باللون الأحمر عن الموت في ساحة المعركة بعد أن تخضّب بالدماء، وكَنى باللون الأخضر عن دخول الجنة وارتدائه ثياباً من سندس أخضر.
ومن ذلك قول الحريري: «قد ازوَرّ المحبوب الأصفر، واغبرّ العيش الأخضر، واسودَّ يومي الأبيض».
فالألوان ههنا مستخدمة في التورية والكناية، ورّى عن الذهب بالمحبوب الأصفر، وعبّر عن العيش الجميل باللون الأخضر، وعن ذهابه وتغيّر الحال باللون الأسود، فهذا من التدبيج.
ويشترط في استعمال الألوان حتى تكون تدبيجاً أن تكون مستعملة - كما ذكرنا - استعمالاً غير حقيقي، أي في موطن التورية أو الكناية: لمدح، أو ذم، أو غير ذلك من المعاني. وأما إذا استعملت استعمالاً حقيقياً فلا يعد ذلك من التدبيج. فلو قال قائل: «كتبت بالقلم الأحمر، على القرطاس الأبيض» لما عُدّ ذلك تدبيجاً لاستعمال الألوان على حقيقتها.
كما يشترط في التدبيج تعدد الألوان، أما استعمال لون واحد في الكلام استعمالاً غير حقيقي فلا يعدّ من هذا النوع، بل هو عندئذٍ من قبيل الكناية أو التورية وحدها. ففي قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ *} [النحل: 16/58] .
لم يستعمل إلا لوناً واحداً وهو السواد، عبر به عن الحزن والكآبة، فهو ليس تدبيجاً، لأنه لم يقترن بغيره.
تمرين للحل
ميّز التدبيج من غيره في الأمثلة التالية، ثم تحدَّث عنه:
1- قال تعالى: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيْضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 35/27] .
2- قال عمرو بن كلثوم يفتخر بقومه:
بأنا نورد الرايات بيضاً
ونصدرهُنّ حُمْراً قد رويْنَا
3- قال أبو تمام عن الشيب:
له منظر في العين أبيضُ ناصعٌ
ولكنه في القلب أسودُ أسْفَعُ
4- قال قائل: «من ملك الأصفر، ابيضَّ يومه، واخضر عيشه».
5- قال صفيُّ الدين الحليّ:
بيضٌ صنائعنا، خضرٌ مرابعنا
سودٌ وقائعنا، حُمْرٌ مواضينا
6- قال ابن حيّوس:
طالما قلتُ للمسائل عنكم
واعتمادي هداية الضُّلالِ
إن تُرد علم حالهم عن يقين
فالقهم يوم نائل أو نزال
تلق بيض الوجوه سود مثار النـ
ـقع خضر الأكناف حمر النصال
7- قال الصلاح الصفدي:
ما أبصرت عيناك أحسن منظراً
فيما يرى من سائر الأشياء
كالشامة الخضراء فوق الوجنة الـ
ـحمراء، تحت الْمُقْلَة السَّوداء