أنت هنا

قراءة كتاب همسات وترية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
همسات وترية

همسات وترية

كتاب " همسات وترية " ، تأليف رانيا حاتم ، والذي صدرعن دار الجندي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 1

قُبلةٌ للحياة

"الأشجار تموت واقفة".. هكذا كتب قبل عقود، الأديب الأسباني أليخاندرو كاسونا مسرحيته الشهيرة، دلالة على إرادة الحياة، وأن الموت الكريم لا يكون إلا على قدمين، حتى لو كانت هناك هزيمة. بعده بسنوات، يعيدنا الفلسطيني الرائع، معين بسيسو، إلى ذات نقطة الارتكاز الأولى.. القيمة الكبرى لمتلازمة الوجود/ الوطن/ الحياة.

"للثعابين جحورٌ، للعصافير فننْ.. آهٍ للميت كفنْ.. ولكلّ الناس في الأرض وطنْ". هكذا قال معين بسيسو، وهكذا أعادتني رانية حاتم، قنبلة المولوتوف الصغيرة، التي استوعبت أنوثة التفجير في كينونة الوجود.. من جبل الزيتون، بالقدس المحتلة.. قبل 7 سنوات، فجّرت رصاصتها الأولى في موقع أليكتروني، فشدت بحزام كلمتها الناسفة أولى بذور الانتباه. كلمات عابرة، وأيها العابرون لن تمروا من هنا.. تماماً كما قال رصاصة الثورة الفلسطينية، الراحل محمود درويش، وغيره.. سميح القاسم، توفيق زياد.. وغيرهما، ممن أعطونا رصاصاتهم وتركونا في العراء بانتظار الحلم الكبير. وها هي رانية حاتم، في إصدارها الأول، تعيد بخربشاتها الرقيقة رسم قنبلة الكلمات على طريقتها الخاصة، لتصبح زهرة، ربما كان عرس الحروف الذي استنطقه جبل الزيتون، في صرخة مقدسية، تشكو القهرَ والظلم المباح، ولكن أضواء الأقصى التي تطل من بعيد، تعطي وعداً بالأمان من كل خوف. هل رأيتم قنبلة تراهن على الحب؟ وهل رأيتم من يتقابل يومياً مع حمار؟ وهل رأيتم من يستنجد بحروفه لتعينه على الاختباء؟ وهل رأيتم عجوزاً تبيع الزعتر الأخضر، فتقتحمها بارودة العسكر؟ إنها أسئلة متعددة، تقرع الوجدان ببساطة، تخربش الذاكرة بأظافر الحروف، وتضعنا في مأزق شكسبير الكبير: "نكون أو لا نكون.. هذه هي المشكلة. والكينونة التي تصفعنا بها، ابنة جبل الزيتون، من على بعد، تترجمها أسئلتها الحائرة، بين الغصون، وبين الجذور، أما ما بينهما، ففراغ كبير يستوعب كل المفارقات التي وعتها الذاكرة.. احتلالٌ، قهرٌ، فقدٌ، حبٌ، ضياعٌ، حيرةٌ وغيرها من الانفعالات الإنسانية الملتهبة بتناقضات سكاكينها، وتضاربات معانيها. وبالأخير.. لا تنسى رانية حاتم، أن تستبدل قنينة المولوتوف، بمشاعرها كامرأة، كأم، كأخت، كزوجة، وما بالنا إذا شكت الأنثى؟ ضجيج خافت لا تعرف منتهاه.. لتستعيد حيرة "حوّاء" الأولى، تحت الشجرة المحرّمة، تنظر لتفاحة الوقت، ربما تذهب غواية الشيطان مع آدم. بكل الأحوال، تستعيد الكاتبة أنفاسها، مع وعد الشمس حين تغيب، تعبر عن نفسها ببساطة: ها هو يحتلنا الشروق من جديد نتأمل البداية بكل شيء نجد أن الصدفة تسبق الموعد، والقدر يسبق الاختيار ويبقى الإيمان مصدر الجمال والرضا سرّ الثقة.

بأبجديات حروفها، وبراءة لثغاتها، تحبو رانية حاتم، دون حزام ناسف هذه المرة، ودون زجاجة مولوتوف ألقتها وهي صغيرة، على جنود العدوان في ضواحي القدس. تحبو رانية بكلماتٍ ليست كالكلمات، تجثو على ركبتيها، متنسمة عبق التحرر من احتلال ظالم، وبأمنية متواضعة في الحياة، تحاول أن تقطف من جبل الزيتون، زيتونة واحدة، ترميها إلينا عبر هذه المحاولة/ الإشراقة من شرنقة الضياع. ألم أقل لكم إن القنبلة يمكن أن تتحول إلى زهرة برّية، تحتاج فقط من يستوعبها لا أن يدوسها بقدميه؟ يشمها لا أن يرميها على قارعة الطريق؟

محمد هجرس

( كاتب وصحافي مصري)

الصفحات