كتاب " خمائل الواحة القطاف الثاني " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب خمائل الواحة - القطاف الثاني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
سَــــجِـيّـة
تَمَايَلتْ بِدَلالٍ عِندَ حَافَّةِ المَركِبِ، تُغازِلُهَا عَينَاهُ بَيْنمَا تَكْشِفُ عَضَلَةُ فَكِّهِ المُتَقَلِّصَةُ انزِعَاجًا مِن مُحَادِثَتِهِ عَلَى الطَّرَفِ الآخَرِ مِن خَطِّ الاتِّصَالِ الخَليويّ. اقتَرَبَت مِنهُ وَمَالَت بِرَأسِهَا عَلَى كَتِفِهِ تَتَأملُ البَحْرَ أمَامَهُمَا يَمْخُرُ عُبَابَهُ مَركِبُهُمَا الجَمِيلُ وَهُو يَقُولُ مُتَبَرِّمًا يُنْهِي المُكَالَمَةَ:
- أيُّ غَدَاءٍ؟ جَاؤُونِي بِشَطِيرةٍ مَا زَالَتْ أَمَامِي مُنْذُ سَاعَتَيْنِ، لَم أَجِدْ فُرْصَةً لِتَنَاولِهَا بَعْدُ ... قُلتُ لَكِ مَشْغُولٌ..مَشْغُول، أَأَترُكُ عَمَلِي لآتِيكِ؟
وَبِذَاتِ الدَّلالِ وَضَعَتْ فِي فِيهِ قِطْعَةً مِن حَبَّةِ الدُّرَّاقِ التَقَطَهَا وَأَطرَافَ أَنَامِلِهَا مُدَاعِبًا، لِيَغرَقَا فِي مَوْجَةٍ مِن الضَّحِكِ، نَسِيَ مَعَهَا تَشَنُّجَهُ مِنْ مُكَالَمَةٍ انْتَهَت، وَغَابَا فِي جَلْسَةٍ هَانِئَةٍ عَلَى حَافَّةِ المَركِبِ تَتَغَنّى بِشَقِّهِ المَاءَ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، وَخَرِيرُهُ تَحتَهُ مُوسِيقَى تُرَافِقُ صَوْتَهُ يَرْسُمُ لَهَا جَنَّةً سَتَدخُلها بِزَوَاجِهِمَا.
رَفَعَتْ بِتَنْهِيدَةٍ وَلْهَى رَأسَهَا المُلْقَى عَلى ظَهْرِ المَقعَدِ عَائِدَةً لِلوَاقِعِ مِن ذِكرَيَاتٍ تَستَعِيدُهَا بِحَنِين، وَتَفَقَّدَتِ المَائِدَةَ أَمَامَهَا مَفْرُوشَةً بِمَا لَذّ، تَزِينُهُ بَاقَةُ وَرْدٍ وَشَمعَدَانٌ أَهدَاهُ إلَيْهَا قَبلَ زَوَاجِهِمَا، تَحَسَّسَتهُ بِأصَابِعَ مُرْتَعِشَةٍ انحَدَرَت عَلَى تَعَارِيجِهِ نَحْوَ هَاتِفِهَا الخَليَويّ، تَنَاوَلَتهُ تَتَأَمَّلُ صُورَتَهُ عَلَى الشَّاشَةِ الكَبِيرَةِ بِضَحكَتِهِ السَّاحِرَة، وتَتَذكّرُ يَومَ التَقَطَتْ لَهُ تِلكَ الصُّورَةَ عِندَمَا انفَجَرَ ضَاحِكًا لِشَكلِهَا فِي سُترَتِهِ الضَّخمَةِ الَّتِي خَلَعَهَا لِيَضَعَهَا عَلَى كَتِفَيهَا تُدفِئُهَا مِن نَسْمَةِ بَردٍ فِي رِحلَةٍ رَبِيعِيَّةٍ.
"اشتَقْتُ لِضَحْكَتِكَ الغَالِيَةِ حَبِيبِي" فَكَّرَت بِشَوقٍ وَضَغَطَت الأَرقَامَ تَطلُبُهُ فَجَاءَ الصَّوتُ الحَبِيبُ مُغَرِّدًا:
-حَيَاتِي
-تَأَخَّرتَ حَبِيبِي، أَعَدْتُ تَسخِينَ الطَّعَامِ مَرّتَين.
- سَامِحِينِي يَا غَالِيَة، مَشْغُولٌ.
- أَلَن تَأتِيَ لِتَنَاوِلِ الغَدَاءِ مَعِي؟
- مَشغُولٌ أُقْسِمُ، لَا أَستَطِيعُ حَتّى تَنَاوُلَ شَطِيرَةٍ، سَامِحِينِي.
مَسَحَت بِطَرَفِ إِصْبَعِهَا دَمْعَةً سَالَتْ عَلَى وَجْنَتِهَا بَينَمَا يَتَسَلَلُ لِأُذنِهَا عَبرَ سَمَّاعَةِ الهَاتِفِ صَوْتُ خَرِيرِ المَاءِ تَحتَ المَركِبِ.