رواية " الآنسة ازدهار وأنا " ، تأليف عدي مدانات ، والذي صدر عن
قراءة كتاب الآنسة ازدهار وأنا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
(2)
إليكم كيف حدث الأمر.
فيما كنتُ أهمُّ بمغادرة عيادتي عند الساعة الثانية بعد ظهر السبت الماضي، جاءني شخص قصير القامة منتفخ الكرش، قليل شعر الرأس، يحمل حقيبة رجل أعمال كالحة اللون. تهيّأ لي أنه يعاني من ضيقٍ في التنفُّس، وأنه بحاجة لمساعدة طبية. استأذن بالجلوس وجلس، فما كنتُ سأعترض بأيّ حال، لأنَّ دخول بضعة دنانير أخرى إلى جيبي أمر جيد ليس من شأني أن أعفَّ عنه. قال:
- أنا شكري حسين أبو الشكر.
أدركتُ على الفور من يكون، فابتسمتُ وقلتُ:
- أنت في غنى عن التعريف.
انصرف عني ليتفقَّد حقيبته، ثم رفع رأسه وتابع:
- جئتك في طلب خدمة، ليس من أجلي، فأنا كما تعرف، الله منعم ومكرم، وإنما من أجل شخص بحاجة لتلك الخدمة، أنت تعرفه وأعتقد أن أمره يعنيك. أنا أحمل له عرضاً، هو فرصة العمر.
تدركون ولا شك، كيف تنطلي الحيلة على الشخص العاديّ، فيسقط في وهم أنه أهل لتقديم خدمات نبيلة، بخاصة إذا كانت الخدمة لشخص يعرفه. تابع، بعد أن لمس فضولي:
- هل تسمح لي بعرض ما لدي؟
عبَّرتُ عن عدم ممانعتي بجلوسي أنا الآخر، فالناس، وأنا منهم، ضعفاء الأنفس، لا يكتفون بما لديهم من فضائل ويطلبون دائماً المزيد، فتقديم خدمة إنسانية غير مأجورة، يضيف إلى مكاسب الشخص مكسباً آخر يفاخر به.
انتظرتُ بلهفةِ نفس أن يفرج عن اسم الشخص المقصود، غير أنه ترك اسمه مغيَّباً، وشرع في حديثٍ عمّا ليس لي حظٌّ بمعرفته، وهو تجارة العقارات ومشاريع الإسكان والنتائج المذهلة التي حقَّقتها، والمدى الذي يمكن أن تصل إليه، وسط دهشتي البالغة، وتساؤلي عن الخدمة الإنسانية التي سيطلب مني تأديتها في هذا المجال، ومن هو المقصود بالخدمة، فأنا مجرَّد طبيب، ولم تدخل تجارة العقارات في أيّ يوم ضمن اهتماماتي. أسهب في الحديث، وضرب أمثلة تستثير فضول من ليس له ضلع في هذه التجارة، وأنا ماضٍ في استغرابي وأسئلتي لنفسي عن دواعي هذه المقدِّمة الطويلة التي لا تعنيني، إلى أن توقَّف عن الكلام ونظر إلى ساعة يده، ثم رفع رأسه ونظر إليّ، لا ليعلن نفاد الوقت، أو ليعتذر عن التوقيت الخاطئ للزيارة، وإنما ليتأكد، على ما تبيَّن لي، أنه أثار فضولي، واستحوذ على اهتمامي بأكبر قدر ممكن، قبل أن يوجِّه لي السؤال الذي مهَّد له، وكان يدَّخره منذ البداية.
- أنت تقرّني، على ما أعتقد، بأن معالم عمّان تتغير.
لم يكن لديّ سبب لأن أنكر التغيير الذي يشير إليه أو أرفضه، فأنا أحد الذين انتفعوا منه، فعضّدتُ رأيه بابتسامة أقرب إلى البله منها إلى التأييد القويّ.