كتاب " الحجاب في التاريخ " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب الحجاب في التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
واشتدت المنافسة بين الرجال من الإغريق على امتلاك الجواري، كما حدث مع أخيل (Achilles) وأغاممنون (Agamemnon) عندما تصارعا للاستحواذ على إحدى الجواري. وهذا يذكرنا بفترة الخلافة الأموية عندما ازداد عدد الجواري عند الأشراف من العرب وأصحاب النفوذ بحيث أخذت الجواري يخلبن لباب العرب فانصرفوا عن الاهتمام بزوجاتهم وسجنوهن داخل البيوت تحت الحراسة، وأمرن بعدم مغادرة البيت إلا محجبات وبرفقة المحرم حتى لا يطمع فيهن العامة ويُظن أنهن من الجواري.
أما في المجتمعات البدائية الأقل تطوراً، فإن الدراسات الأنثروبولوجية الحديثة تميل إلى الاعتقاد أن الأسرة في المجتمعات البدائية لم تعرف المشاعية في علاقات الذكور مع الإناث؛ فلم يكن الذكر فيها يستحوذ على ما ملكت يمناه من الإناث بالقوة والترهيب، كما يغلب الظن. فعلى سبيل المثال، يرى بعض الباحثين أن نساء رجل الكهف الأول لم يَكنّ مشاعاً لجميع الرجال2؛ بل كانت الأم لها مكانة مقدسة بسبب ولادتها الأطفال على نحو خلاق لم يتمكن أحد من تفسيره آنذاك، فحسبن في مقام الآلهة التي تهب الحياة من العدم في سر مكنون.
ومع تدرج التطور الإنساني أخذ يسود نظام الزواج الأحادي، أي الاكتفاء بزوجة واحدة3. ولكن الظروف المتغيرة كانت تكسر هذه القاعدة، ففي المجتمعات التي تئد بناتها لعاهة أو مرض أو لإقامة الطقوس، كان يسود نظام تعدد الأزواج، وربما يكون المجتمع الجاهلي قبل الإسلام مثالاً على ذلك. ومما يؤكد هذه المسألة وجود بعض المجتمعات البدائية المعاصرة في مجاهل الأمازون وإفريقيا التي اكتشفها المستعمرون من الأوروبيين وكانت لا تزال تمارس هذا النمط من السلوك في الحياة العامة.
وعلى عكس المرأة الإسبارطية التي تمتعت بهامش واسع من الحرية، لم تتحرر المرأة الإغريقية بعامة إلا عندما انتشر البغاء وارتقت في سلم الحياة الاجتماعية نساء أجنبيات من الجواري والوافدات من الشاعرات والفنانات. وهكذا أصبحت المرأة الغريبة حافزاً للمرأة الإغريقية كي تتحرر من قيودها، فانطلقت للتعبير عن حاجتها لممارسة بعض حقوقها المهضومة.
وهذا يقابل ما حدث في الفترة الإسلامية الأولى عندما انتفضت النساء المحجبات وخرجن سافرات إلى المجتمع بعد أن استحوذت الجواري الجميلات والمثقفات على عقول الرجال. كما طالبت النسوة الأحرار بالتعليم لمنافسة الجواري وطلبن من الشعراء التغزل بهن وبمفاتنهن كي يسمع عنهن الرجال ويأتوا لطلبهن من أهلهن4.
وبناءً عليه، ربما لم يمر النظام الأسري عبر مرحلة الفوضى الجنسية، كما يظن في الغالب، وذلك خلال مراحل تطوره التاريخي، حتى بلغ مرحلة النظام الأمومي وتطور إلى النظام الأبوي؛ فذلك المنحى من التطور ليس حتمياً تماماً من وجهة نظر علماء الأنثروبولوجيا المحدثين. وهذه النتيجة تقودنا إلى التساؤل عن أسباب تردي أحوال المرأة عبر التاريخ، فيما يتعلق بحريتها الشخصية وتهافت نفوذها داخل الأسرة والعشيرة؟
أغلب الظن أن المرأة، في خلال مرحلة النظام الأمومي الأولى، كانت تتمتع بهامش كبير من الحرية والنفوذ نسبة إلى المرحلة التي دخلت فيها البشرية مرحلة النظام الأبوي، حيث أصبحت المرأة ممتهنة وهـُمش أمرها.
ونحن نرى أن مدى حرية المرأة وأهميتها في إدارة شؤون الحياة الأسرية، المعرفية والاقتصادية والروحية والسياسية، لا بد أن تنعكس من خلال دورها الاجتماعي الإنتاجي وأهميته، وبالتالي لا بد أن تتمظهر هذه الأهمية من خلال الطريقة التي كانت تضع فيها المرأة الحجاب وتتزين وتتبرج وما تمخض عن هذه الممارسات من تعبيرات طبقية ونفوذ!
إنّ تحرر المرأة مرتبط بمستوى وظيفتها الإنتاجية في خضم علاقات الإنتاج في داخل العشيرة أو القرية، فقد كانت منتجة للبنين، وأيضاً كانت منتجة للغذاء، وبخاصة في طور حياة الصيد الأولى عندما شرعت، أي المرأة، في الزراعة البدائية الأولى وتربية الأطفال والحيوانات. فقد كانت ربة البيت (أي إله البيت) الولود هي سيدة المنزل التي حفـّزت ظاهرة عبادة الآلهة الأنثوية بوصفها ظاهرة خارقة5، وفي الوقت نفسه كانت المرأة على الصعيد العملي هي المنتجة للغذاء؛ فتحافظ عليه وتخزنه وتدير شؤونه وتقوم بطهيه!
وإذا ما انتقلنا إلى حياة الريف المعاصرة نجد أن المرأة ولا تزال تحظى بالاهتمام والتقدير المكافئين لقدرتها على الإنتاج وإدارته، فما فتئنا نلحظ بعض النسوة من ذوات النفوذ والرأي والمشورة، وذلك بحكم طبيعة المرأة وعملها أو بحكم وظيفتها ومستوى تعليمها ومقدار نفوذها وقيمة ملكيتها. وسوف يتبدى لنا هذا التقدير من خلال مناقشة أحوال النساء المصريات فيما بعد.