أنت هنا

قراءة كتاب الخراف الضالة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخراف الضالة

الخراف الضالة

كتاب " الخراف الضالة " ، للمؤلف أحمد جمعة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

(فلاش باك )

كان صباح يوم جمعة مشبعاً بحرارة شهر سبتمبر الخفيفة، سطعت الشمس منذ الفجر وانبثق ضباب شفاف أشبه بالغيم، كان يوم إجازة مدرسية فاتفقت أنا وعدد من صبية الحي على الخروج إلى البحر وإلقاء السم للأسماك كعادتنا لتقتلها ثم نجمعها ونقوم بشوائها على الساحل محاولين استدراج بعض الفتيات اللواتي في مثل أعمارنا.

أذكر ذلك الصباح المشبع بندى البحر وقد تسربت رائحة حرق جثث القطط والكلاب التي تجمعها سيارات البلدية، كان أفق السماء ينذر بتحول الطقس إلى البرودة عند نهاية فصل الصيف ومجيء فصل الخريف بأوراقه الصفراء بتحذيرها حين تتسلل البرودة إلى الأجسام عندما ننزلق في الماء محدثة قشعريرة، كنا نود اختتام الصيف بآخر الطلعات إلى البحر للاحتفال بصيد الأسماك بتحذيرها قبل هجوم موجة الشتاء التي تحرمنا من متعة صيد الأسماك، كانت صبيحة أحد أيام الجمع وهو واحد من الأيام التي تقوم البلدية بحرقها، فتظل روائح اللحم المحترق عالقة لأيام في الهواء وتتحول إلى نكهة ملوثة الطقس حتى تتساقط الأمطار فتبدأ الرائحة بالانقشاع، كان يوم جمعة حينما خرجنا جميعنا إلى سوق المحرق وهناك اشترينا حبوب «الصرصخ» وهو نوع من السم على هيئة حبات سوداء بحجم الفاصوليا، كنا مجموعة من الأولاد الذين اعتدنا التجوال في الأسواق طوال أيام الإجازات ودأبنا في زيارة مخزن الباعة الكراشية بسوق المحرق قبالة محال الحلوى البحرانية، كنا نذهب إلى هذه المحال لشراء السم ونعود عند الضحى لنقوم بقليه ودقه وتحويله إلى مادة ناعمة ثم نقوم بخلطه مع أنواع من الغذاء مثل العجين والخبز المجفف أو مع ديدان البحر وغيرها من الأغذية التي تغري الأسماك ثم نخرج إلى البحر ونقوم بنثرها على المسافة التي تسمح لنا بالتجوال فيها.

تبدأ رحلة الصيد باجتماعنا على الساحل الناعس كما الطقس ذاته في هذا اليوم الموشح بالسكون إلا من صرخاتنا وأصواتنا المفعمة بالحيوية حينما نبدأ الكلام جميعنا في وقت واحد ولا أحد يسمع الآخر ولكننا نفهم بعضنا بعضاً مثل المصابين بالصَّمم، نقوم بخلع ملابسنا الرقيقة التي تكشف عن أجسادنا النحيفة وكثيراً ما نشاهد عظام بعضنا من وراء القماش الشفاف وهو النوع المنتشر بين صبية الحي ونكتفي بارتداء سراويل السباحة القصيرة التي نرتديها عادة تحت الثياب طوال الوقت ولا نخلعها إلا عند النوم، تأخذنا موجة الحماسة لالتقاط الأسماك الميتة لسحابة من التوتر ونحن نقطع الساحل شمالاً جنوباً منتظرين الدقائق تمضي فيما نظراتنا مسلطة بتركيز مضطرب على سطح البحر خشية فساد السم وهو ما يحدث أحياناً حينما نفشل في صنع الخلطة أو بوجود عطب بالمادة السامة فيأخذ القلق بعضنا لخوض البحر قبل سريان مفعول السم للتأكد من وجود سمكة صغيرة ميتة وهي علامة على بدء مفعول المادة السامة وتظل أبصارنا شاخصة إلى رفيقنا متوجسين من النتيجة ولو حدث أن وجدت خيبة أمل على وجهه فسرعان ما تبدأ الكآبة تتسرب إلى نفوسنا ويضرب الصمت بيننا حتى ينسحب بعضنا تدريجاً ثم نغادر الساحل.

في هذا اليوم الغائم جزئياً مع هبوب تيار من هواء بارد، سرى بيننا شعور بالإخفاق نظراً لأن الأسماك لا تموت إلا في المياه الساخنة وجاءت هذه القناعة من تجاربنا السابقة حين يسخن البحر في أشهر الصيف الحارة فما يكاد سخام السم ينتشر في المياه حتى تتسابق الأسماك إلى لفظ أنفاسها فتشع السعادة على وجوهنا بالحصول على أكبر كمية من الصيد: حيث نشهد مجزرة تطفو على أثرها موجات الأسماك الميتة بأحجام مختلفة متنوعة الأصناف، وكان «الميد» أكثرها وأسرعها بلفظ أنفاسه من الأسماك الأخرى، هذا الشعور الذي انتابنا اليوم تغير فجأة حين لمحت سمكة من نوع «الكركفان» تسبح واهنة حتى لا تكاد تتنفس ثم تترنح على سطح المياه فصرخت في بقية الشلة:

- موت موت..

الصفحات