كتاب " الكتاب الأرجواني " ، تأليف عبد المنعم المحجوب ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب الكتاب الأرجواني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الصمت مرئياً.
الصمت على الساحل هو صمت نبوئي أيضاً. وعناصر اللوحة لا تبدو أكثر اكتمالاً في أي مكان آخر: بحر، انعكاسات والتماعات دالة، ضفاف، آثار تركتها كائنات صغيرة ترتاد الشاطئ في فسحات منسية من الزمن الإنساني، وحزم ضوئية لا يوجّهها شيء أو أحد ترافق الصمت تَخلق المكان وتُخلَق به. إلى أين يمضي الفكر وقد نشر المكان سلطته، وأرسل مقاميّته الآسرة على هذا النحو؟ لقد صار بول كلي والنور واحداً. كانت أحد عشر يوماً ستصطبغ بها تجربته، كما ستترك أثرها الفذ على تاريخ الأساليب الفنية إلى الأبد. إنها العناصر الخالدة نفسها التي جعلت من قرطاج أرضاً-حلماً لشعوب المتوسط، ولأزمنته كلها، جعلتها فنَّ رؤيا، كما يقول بول كلي: «لا يرسم لك المرئيّ، بل يبرز لعينك ما ليست ترى».
ونستيقظ على تجربة محمود السهيلي اللاعب بـ [وَمَعَ] الضياء، وهو الذي «حاول النور لوحة بعد لوحة، ثم بلداً بعد بلد، متنقلاً من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، سافر وأعاد السفر متتبعاً مساقط شمسنا الأفريقية من جزيرة جربة إلى صحراء الجزائر، ومن قلب السودان إلى أعماق المغرب الأقصى، وكأنه سندباد جديد لا بحري ولا بري» (1)، كنعانيّ ألف الترحال، وندرك أنه وراء هذا الترحال إنما كان يصوغ جزءاً من سيرة النور باحثاً عن تجسّداته في الرمل والماء والهواء والإنسان واستظهارها في خفّة الأكواريل التي لا تضاهى.