كتاب " بيكاسو كافيه " ، تأليف سامية العطعوط ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب بيكاسو كافيه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بيكاسو كافيه
وفي كل يوم، أقفُ بكامل أبهتي وثراء جسدي على بابه. أستقبلهم زوجاً زوجاً. أروي لهم الحكايات الطازجة بطعم الفانيلا.. ألتقط لهم عشرات الصور التذكارية بالكاميرات الديجيتال والموبايلات الملونة. أمحو من قلوبهم، أيَّ عتاب بينهم.
لكنني اليوم، اليوم بالذات، قررتُ أن يكون يومي الأخير لي ولهم. خلعتُ مئزري الأبيض المتّسخ قليلاً، بعنفٍ، وألقيته على الأرض كيفما اتفق. أغلقتُ المقهى، كما تفعل الحكومات، بالشمع الأحمر، وخرجت من فوري إلى الشارعِ العريض بحثاً عن أي رجل.. عن رجلٍ ما.. عاشقٍ ما، كهلٍ ما، أجلس وإياه سوياً في مكانٍ بعيد لا تطاله الأيدي أو النظرات المتلصصة. أمدّ ساقيّ في مقهىً باذخٍ يمدُّ أرجلَه الكبيرة هناك، في بحرٍ جميل...! المقهى الخشبي
أحبُّ هذا المقهى الخشبيّ كثيراً. بجدرانه الخشبية، وسقفه المصنوع من عوارض خشبية.. وأرضه الخشبية الخشنة جداً، ولونها الذي بلون الشجر حين نسحب منه بلاستيداته الخضراء. صدقوني، حتى الهواء في المقهى خشبيّ اللون والرائحة، ويكاد يكون خشبيّ الملمس..!!
حين دخلتُ إليه أول مرةٍ، دُهشت من درجة إتقان الصنعة، من استدارة حوافّ الموائد والمقاعد والبار. كانت الانحناءات ملساء جداً ودقيقة، وقطع الأثاث تبدو فاتنة وهي مطعّمة بعروق الشجر الميّت.. جثثُ الأشجار هنا في كل مكان...!
شربتُ فيه قهوةً خشبية المذاق في كوب من خشب الصندل. ارتشفتُها على مهل، وأنا أدخن سجائري. وبعد فترة، لمحتُ أحدهم يهمّ بمغادرة المكان، وفجأة، صرخ بأنه لا يستطيع أن ينهض أو أن يقف على قدميه أو ساقيه. كان يتلوّى ألماً كلما حاول النهوض. جاءه النادل. سمعته يقول له، بأن يخلع أرجل المائدة التي يجلس عليها، وأن يستخدمها كعكازات .. !! جُن الرجل. ضرب رأسه بالمائدة غير مصدّق ما يسمع، لكنه استسلم في النهاية، خلع أرجلها وخرج وهو يشتم ويعوي..!
دُهشت من الموقف، ولم أعرف هل أضحك على الرجل أم أبكي إشفاقاً عليه. وحين طلبتُ الحساب، حرّكْتُ ساقيَّ خشيةَ أن تنتابني الحالة نفسها، لكني حمدتُ الله حين تحرّكتا بكل راحة. جاءني النادل بالفاتورة، فأنقَدْتُه بقشيشاً كبيراً، وأنا أبتسم. وعندما نهضتُ عن مقعدي، لم أستطعِ الحركة. تسمّرتْ قدماي في الأرض وشعرتُ بألمٍ كبيرٍ. لم يتحرك مني إلا جزئي العلوي. جُننت، بدأتُ أصرخ كالرجل الغريب الذي ضرب رأسه بالمائدة، وصرتُ أضرب الطاولة بيدي. جاءني النادل نفسه، بوجهٍ يخلو من التعبير. تناول أرجلَ مائدةٍ من زاوية ما في المقهى، وقال ببرود: تستطيع أن تستخدمها كعكازات لك..