كتاب " خرفان المولى " ، تأليف ياسمينة خضرا ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب خرفان المولى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
خرفان المولى
3
كان رمضان عِيش مسروراً. عاد ابنه عبّاس. تدفّق الناس على فِناء المنزل، مُحَمّلين بالهدايا. أَذِن لهم بعناقه، ورضي أحياناً أن يتركهم يقبلون رأسه. وقف أقرباؤه إلى جانبه، تلفّهم الكبرياء، يرفضون الإطالة مع السرور المزيّف لأولئك الذين أحجموا عن اقتسام حزنهم يوم جاء رجال الدرك لإيقاف ابنهم. لم ينس رمضان هو أيضاً. ولكن الناس كادوا يسجدون على قدميه فبعثوا في نفسه غروراً بحيث بدا متسامحاً معهم. لقد كلّف عيسى عصمان نحر سبعة كباش بقرونها الملتوية كما جنّد أمهر طباخات المنطقة كي ترسخ عودة ابنه في أذهان الناس إلى الأبد.
قال الإمام صالح وهو يضمّ رمضان بقوة إلى صدره:
- أين ابْننا العزيز؟ اشتقت إلى تحيته.
ردّ رمضان بتلك العجرفة التي لا يقدر عليها إلا أبطال يوم واحد:
- إنه يستريح في غرفته. لا ينبغي أن نزعجه.
انتقل رئيس البلدية شخصياً، مُحاطاً بحاشيته. تخلّى هذه المرة عن عاداته التي تجعله دوماً فوق الجميع ورضيَ بكل عفوية أن ينزع حذاءه قبل أن يلتحق بالأعيان في قاعة الاستقبال.
في الغرفة المجاورة، كانت الحاجة مبروكة تقوم مقام الضحية المستغفرة. تَجمّعت النساء حولها لمواساتها.
- اهدئي يا الحاجة، صار ابنك معك الآن.
ترتوي الأم من دموعها. تدفع بالحزن من حين لآخر إلى غاية الإغماء. كان وجهها مخطّطاً بنثار من خضاب للجفون، وشعرها الذي رفعته جيداً هذا الصباح تجاوز الخمار وانسدل على كتفيها المرتجفتين. قالت امرأة ثخينة لجمع النساء الملتصقات حول الأم الباكية:
- اتركوها تفرغ قلبها من المرارة التي كادت تقتلها.
تأثّر رمضان مباشرةً ببكاء زوجته الخائر وبشهادات التعاطف المتواصلة. كلّف أقرباءه الاهتمام بالوليمة واسْتَسمَح ضيوفه بضرورة الغياب لفترة وجيزة.
تعالت غمغمات بعض الحاضرين:
- خذ راحتك، أنت مسامح. نقدّر جيداً حالتك.
في الخارج، يعبر غراب السماء ناعقاً. ينزلق ظله على تموّج الأرض ويختفي داخل تين الصبار.