أنت هنا

قراءة كتاب إلى الوراء في نقد اتجاهات التقدم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إلى الوراء في نقد اتجاهات التقدم

إلى الوراء في نقد اتجاهات التقدم

كتاب " إلى الوراء في نقد اتجاهات التقدم " ، تأليف حبيب معلوف ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ،

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

سؤال الهوية

حين هممت للعودة باكراً الى المنزل يوم تطورت الأحداث أمام الجامعة العربية (الأحداث الأهلية في بيروت بداية العام 2007)، سألني زميلي في جريدة "السفير": "أي طريق ستسلك؟"

ولما توقفت مندهشاً، أضاف: "انتبه هناك حواجز لملثمين يدقّقون بالهويات!"

يومها قلت له بعفوية غير المصدق: "لا تعتل هم، سأقول لهم بأني بيئي".

مشيت قليلاً، ثم عدت وسألته: "ماذا تتخيّل أن تكون ردود فعلهم إذا قلت لهم إني من حزب البيئة؟ هل سيعتقدون أني أسخر منهم فأغضبهم، أم أنهم هم الذين سيسخرون مني ويتركوني أمرّ؟"

صحيح أني تابعت طريقي تلك الليلة من دون أن ألتقي بأحد، إلّا أنّ سؤال الهوية لم يتركني.

من أنا فعلاً؟ وهل يمكن للبيئة أن تكون هويتي وطائفتي؟

أسئلة تأخرنا في طرحها "كبيئيين".

التهينا وانشغلنا بكسارات الجبال ونفايات المدن والقرى وبحماية التنوع البيولوجي للوطن وكوكبنا المشترك... و"طنشنا" على باقي أنواع تنوعه!

اعتبرنا أن الجواب عن سؤال الهوية سهل بالنسبة لنا، إذ يكفي أن نكون، أو أن نقول، إننا "نوع إنساني" من بين ملايين الأنواع من الكائنات، فنرضي أنفسنا بهذا الجواب... ولكننا لم نسأل إذا كان هذا الجواب يرضي الآخرين، كون سؤال الهوية يحيلنا إلى الـ"هو"، الآخر، أكثر مما يحيلنا إلى أنفسنا، بعكس ما يعتقد كثيرون!

ولكن كيف نفهم "التنوع" داخل النوع الإنساني نفسه؟

ما الذي يميز نوعاً إنسانياً عن أي نوع إنساني آخر؟ ما الذي يحدِّد هوية كل نوع؟ كل مجموعة؟ ومهما كانت صغيرة؟ وكيف يمكن أن نساهم في ابتداع "صيغة جديدة" لتعايش تلك الأنواع مع حد أدنى من الاستقرار؟

من مفارقات مفهوم "الهوية" عند العرب عموماً، أنه لا يشير إلى الذات، بل إلى الغير، إلى الآخر، كونه يعود إلى الضمير "هو". بينما الهوية identité بالأجنبية (الفرنسية والإنكليزية) تعود إلى الجذر اللاتيني "ايدم"، والتي تعني "الأنا" أو "ذات الشيء" .

فالهوية عند العرب، حسب الاشتقاق اللغوي، تحدّد بالآخر وليس بالذات!

وهذا ما يحمل تفسيرات عدة، يجب أن ندرسها لاحقاً، والتي يمكن أن تؤسس لفلسفة بيئية عربية تقوم على الانفتاح على الآخر، واعتباره جزءاً مكوناً للنحن، وتساهم في إيجاد الحلول العالمية للمشاكل التي تركتها الفلسفة الغربية المفرطة في آنيتها وفرديتها وأنانيتها وإنسانيتها.

في دراستنا للهوية، ربما قد نجد ما يفسر بحث أي مجموعة عن عدو خارجي دائم لتأكيد ذاتها! وما يفسر أيضاً زيادة التعصّب في الدفاع عن الذات عبر الاعتماد على "تنميط الآخر"! وصعوبة اندماج الأقليات ( ذات الهويات المتعددة) في كيانات وأفكار ومشاريع أوسع... الخ.

هذه الرؤية إلى الهوية، لم تشكّل عنصر اطمئنان، كما كان يفترض في وظيفة كل هوية، بقدر ما شكلت عنصر قلق دائم. ولا سيما أن المشاريع الأوسع للهويات (سواء القومية أو الطبقية أو الدينية أو الوطنية)، لم تكن واسعة كفاية، وعلى كل المستويات، وهذا ما يتطلب إعادة تفكير ومراجعة كبيرة.

تحن مجموعات كثيرة من بين الأنواع الإنسانية المتعددة، بالعودة إلى "الأصل"، إلى "الجذور"، كلما أرادت أن تبحث عن هويتها. وربما تبحث أيضاً عمّا يسمى "شجرة العائلة".

ولكن لماذا "الشجرة"؟

الصفحات