أنت هنا

قراءة كتاب البقاء على قيد الكتابة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البقاء على قيد الكتابة

البقاء على قيد الكتابة

كتاب " البقاء على قيد الكتابة " ، تأليف عبد العزيز محمد الخاطر ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

العقيدة وغلبة الاجتماعي على الديني

من يعتقد أنّ العقيدة الإسلامية صالحة لكل عصر وزمان، لابد وأن ينفي عنها صفة الانغلاق العقائدي الذي يؤمن به، ويمارسه البعض طوعاً أو كرهاً، وربما بحسن نية ودون إدراك، من يفعل ذلك قد لا يعلم أنـّه بذلك يُعلن محدوديتها وتاريخية نصوصها، ويخرجها من إطار العالمية الذي يسعى إليه عقلاء وفقهاء الأمة الثقاة استجابة لمضمون رسالتها الخالدة·

لو أدرك أولئك أنّ هذه العقيدة ثابتة النصوص، ولكنها تتطلب تطوراً في الفهم، لكي تجاري به العصر لاختلف الوضع واتسعت الرؤى· عندما كانت العقيدة المسيحية تمارس الانغلاق العقائدي، وترفض حتى ما يخرج من مضمونها، اضطر أصحابها إلى عزلها عن الحياة الاجتماعية، بعد حروب دينية وطائفية طاحنه· لا بد إذاً من فهم متجدد يخرج الواقع من الإسقاطات الكلية، التي لا تحتمل سوى القبول أو الرفض· إنّ مشكلة عدم الفهم المشترك بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي، فيما يتعلق بتجاوز التصادم المحتوم، كما يتصوره البعض، تكمن في الخلفية الاجتماعية والسياسية لكلا الجانبين، فالمسلمون يمتلكون عقيدة من خصائصها التطور، ولكنهم اجتماعياً عاجزون عن إدراك ذلك، والإجماع عليه وتحقيقه فعلياً، في حين أنَّ الغرب يعتمد فلسفة برجماتية نفعية بعد أن عجزت عقيدته المسيحية ذاتياً عن التطور، فالعجز هنا في المنهج لعدم شموليته، ولكنه هناك عند المسلمين في فهم المنهج ومقاصده· مع أن اتساق المرء أو حتى المجتمعات مع سنن الله في الكون من أخذ للأسباب يكفل له أولها التقدم والتطور، مهما كانت عقيدته أو عقيدتها، ولننظر الآن لردود الأفعال العالمية لعدم إدراكنا أو إجماعنا أو قدرتنا على إبراز صورة العقيدة الإسلامية الحقيقية لغيرنا من مجتمعات العالم، الأمر الذي جعل أصابع الاتهام تتجه إليها لا إلينا كما ينبغي· يشير فوكويانا في مقال له نشر سابقاً في مجلــــــة نيوز ويك الأمريكية إلى أنّ الإسلام هو الحضارة الوحيدة في العالم التي يمكن الجدال بأنّ لديها بعض المشاكل الأساسية مع الحداثة مع إقراره بأنّ الحضارة الإسلامية كانت تتعايش فيها المذاهب المختلفة في ظل نظام المِلل العثماني، في الوقت الذي كانت الحروب الدينية تمزق أوروبة، ولكنه (أيّ الإسلام) تطوّر بصورة معقدة، أدت إلى توليد أشكال أخرى منه، ترفض حتى مبدأ الحداثة الأول المتمثل في قيمة التسامح وفي نفس العدد من المجلة ذاتها، مقال آخر لصامويل هانيتغتون، صاحب مقالة صدام الحضارات الذائعة الصيت، يشير إلى أنّ الزمن الذي نعيشه هو زمن الحروب الإسلامية، سواءٌ البينية أيّ بين المسلمين مع بعضهم البعض، أو بينهم وبين غيرهم من الحضارات والأديان، وهناك عقدان عاشهما العالم تحت رحمة العنف والإرهاب الإسلاميين من عام 1980 إلى عام 2001 ميلادي· ولنا أن نتصور مدى مساهمتنا في صدق هذه المقولة داخلياً عندما ننظر لما يحدث في العراق اليوم·

من المسؤول عن هذه النظرة لدى دوائر الرأي والدراسات في الغرب؟ عن عقيدة يجمع الكل لدى دراسته لها بتمعن وإدراك بأنـّها تجمع خير الدارين، فمن الذي قرن الفقر والجهل بالإسلام داخل الذهنية الغربيــة إذاً؟ من الذي ربط بين التعصب والتطرف والعقيدة الإسلامية؟ ألم يكن ذلك نتيجة للتراكم الاجتماعي بما فيه الفهم القاصر والخاطئ عبر مسيرة هذا الدين العظيم، وإسباغ صفة الديني على الاجتماعي مع مرور الأيام· الناظر يدرك أنّ التطور السلبي كان يجري على الجانب الاجتماعي هذا بصورة متسارعة، أوصلتنا إلى ما نحن عليه من مأزق حضاري في حين إنَّ الفهم المتحرك الذي تتطلبه الشريعة، يبدو وكأنه ُاستبعد، كي يبلغ الجانب الاجتماعي مأربه ومقصده تحت عباءة ورداء الدين، فالعالم الإسلامي جَبلٌ من التراكمات الاجتماعية منذ القرون الأولى، وما نشهده يومياً سوى هزات تعلو وتنخفض لإذابة هذه التراكمات حتى يظهر معدن العقيدة الحقيقي، وعلى الرغم من ذلك، تجد أشدَّ المقاومة ليست هي تلك التي تأتيك من الخارج المنافس، وإنـّما من تلك الانشطارات التي ولدتها هذه التراكمات الاجتماعية، كما أن الفتاوى التي تأتيك من كل حدب وصوب، بما فيها من تضارب، جعلت من المسلم المعاصر مريضاً ليس بسبب ما يعانيه من مرض ظاهر، وإنـّما بسبب كثرة أدعيائه من أطباء·

الصفحات