كتاب " أمل في الظلام ( حكاية أم مع طفل التوحد) " ، تأليف خلود خوري رزق ،والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
قراءة كتاب أمل في الظلام ( حكاية أم مع طفل التوحد)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أمل في الظلام ( حكاية أم مع طفل التوحد)
لم أجد حلاً أنسب من اقتراح المعلمة التي حَمَلت عبئاً بوجود وسيم بين تلاميذها. توجّهنا أنا ونجيب (والد وسيم) بطلبٍ إلى مركز تطوّر الطفل وانتظرنا دعوةً منهم للفحص والإرشاد..
في هذا الوقت كنا نفكر في حقيقة الوضع وأسبابه. كانت أماني (شقيقة وسيم) تعيش مرارة الحدث معنا..، تتألم بصمت وتبتسم ببراءة.
أخيراً وصلتنا الدعوة إلى مركز تطوّر الطفل ولقاء الطبيب المسؤول للبدء بخطواتٍ سريعة وتحسين ما صنعته فجوة الأيام.
كان الموعد صباحاً. استيقظنا باكراً لنسافر إلى حيث الأمل الذي سينقلنا إلى الضفة الثانية من حياتنا..، صامتين ركبنا السيارة التي بدأت تتهادى بمشوارٍ بدا لي طويل المسافة. أغمضتُ عينيَّ ورُحتُ أفكر في الكلام الذي سيقوله الطبيب، ولم استيقظ إلا في لحظة وصولنا إلى المركز. "لقد وصلنا.. استعدوا للنزول" ردّد نجيب..
كان الطبيب المتقدّم في السن بمثابة جَدٍّ آخر لوسيم. استقبلنا ببسمةٍ عريضة ودعانا للجلوس مُراقباً تَـصرُّفات وسيم وتحرّكاته في الغرفة الصغيرة. ومع كُل مُحاولةٍ مني بإمساك يَد وَسيم، ولَو لِثانية، لكي يَجلِس بَهُدوء، كان الطَبيب يرمقني بعينيه. فهمت هدفه من النظرة الأولى: "أُتركيه يَفعَل ما يشاء" ردَد بإصرار، واستَمر بفحص وسيم من رأسه لقدميه. وبعد نصف ساعة، قرر أنه لا يعاني من أي مشكلة عضوية، وأن ما يحتاجه هو العلاج بالنطق والتشغيل. لم يواجهنا بحقيقة مرض التوحّد في ساعتها، بالرغم من اكتشافه له من النظرة الأولى...
هكذا تكون البدايات صامتة دون ألم ودون أفراح. تُعَلِمنا مَعنى الصَبر، تَغفِر لَنا زلاتِنا، لِنَخطّ صِعابنا فوق ورقة بيضاء دون المَساس بأخطاءٍ ماضية، رُبَما لأنها لا تَحتَمِل مشقات الماضي والحاضِر معاً...
مَع جُرعاتٍ قليلة من الأمل، واظبنا على زيارة مركز العلاج بالنطق أسبوعياً على أملِ الشفاء. لقائي الأول بمعالجة النطق كان خاصاً جداً، كانت جميلة المظهر صغيرة السن هادئة الأعصاب وتشاركني بعض الصفات إلا درجة الحرارة، فهي تشاهد يومياً الكثير من هذه الحالات... الألم لا يزعجها ولا يترك في نفسِها أثراً. هذا هُوَ الفَرق المَلموس بَين الإحساس بالألم الذي أَشعر به والعَمل التي تَقوم به كلما دخل إلى عيادتها على الرَغم من إنسانيتها وطول أناتها....وطالما رأينا أن ثمرة هذا العمل تُزهِر بشكل بطيء جداً.....