كتاب " المتاهة " ، تأليف أيمن توفيق ،والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب المتاهة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المتاهة
كنت أسير وحيداً أتحسّس طريقي في ظلام الشارع، بينما روحي تحلّق بعيداً مع من تركتهم خلفي، مع سفري قبل أشهر. رنّ هاتفي النقال. لم أنتبه إليه في بادئ الأمر، لم أستطع تمييز رنينه وسط تلك الضوضاء التي يعجّ بها الشارع، إنه الوقت الذي تغلق فيه معظم المحالّ أبوابها؛ حيث أزيز الأبواب الحديدية وقت الإغلاق هو الصوت المسيطر على الشارع.
كان المتّصل ابن خالتي، ومن سواه يمكن أن يعرف رقم هاتفي الخلوي، فلم يمرّ سوى يوم واحد على اقتنائي إياه. رغم أهميته، وما يجلبه من منافع، إلا إنني لم أحبذه يوماً، فكثيراً ما يقطع عليك خلوتك، خاصة في تلك اللحظات التي تختلي فيها بنفسك بعيداً عن الجميع، لكنك تفاجأ به يصلصل صليلاً متواصلاً، ولا يكون أمامك سوى الإجابة والتواصل مع ذلك العالم الذي تحاول أن تهرب منه ولو للحظات. ولكن، يبدو أن ذلك الهاجس لم يكن أكثر من مجرد سبب واهي، حُجّة أحتجّ بها على نفسي، فالسبب الحقيقي الذي أخفيته، ورفضت الاعتراف به، هو خوفي من أن يصبح الهاتف الخلوي مطلباً مادياً جديداً أُجبَر على التعامل معه، لذلك قرّرت الاستغناء عنه بدلاً من أن يصبح عبئًا آخر يضاف لأعبائي الكثيرة.
«اتصل بي صديقك محمد إبراهيم من مصر، وهو يطلب منك الاتصال به لأمر مهم».
كان ذلك ما أبلغني إياه في اتصاله.
محمد صديقي منذ سنوات كثيرة تتخطى الثلاثة عشر عاماً، تشاركنا خلالها الأفراح والأحزان، وتشاطرنا الآمال والأحلام، وما زلنا على اتصال، حتى وإن تباعدت فتراته بعد سفري للعمل في المملكة الأردنية.
محمد هو الابن الثالث من حيث الترتيب بين أشقائه الأربعة، والده موظف بسيط في إحدى الإدارات الحكومية التابعة لمصلحة البريد، وأمه ربة منزل تساعد والده في العناية بهذه الأسرة الصغيرة وزراعة تلك القراريط الخمسة عشر التي تساهم بالجزء الأكبر من دخْلهم، خاصة وأن راتب والده لم يتجاوز المائتي جنيه.