قراءة كتاب ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ما يعرفه ..أمين وخمس روايات أخرى

ما يعرفه أمين وخمس روايات أخرى

كتاب " ما يعرفه ..أمين وخمس روايات أخرى "، تأليف مصطفى ذكري ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع (مصر).
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 2

عندما تزهد الذات في الوطن والتاريخ والجماعة والسياسة والقضايا الكبرى لا يبقى أمامها سوى الانحطاط في ظرف وجودها الفردي وزمنها الخاصّ. من هنا تأتي وحشيَّة التفاصيل الصغيرة التي تلتهم السرد. ففي كتابي الأول «تدريبات على الجملة الاعتراضية» اعتمدتُ تفصيلة جدّ تافهة بشكل استراتيجي على مدى الكتاب كلّه، وهي الجملة الاعتراضية بكلّ تداخلها وانعكاسها على نفسها، وكأنّها مرآة تُضاعِف وجودها، أو هي جملة تشبه صندوق الهدايا الشهير الذي يحتوي صندوقًا أصغر، والأصغر يحتوي الأصغر منه، هكذا إلى ما لا نهاية. الغريب أنّ الجملة الاعتراضية ضعيفة بلاغيًّا في اللّغة العربية، وكان استخدامها عند القدماء والمحدثين محدودًا، على اعتبار أنّها جملة فرعية، لا يصحّ للبليغ أن يعترضه شيء وهو يقيم أودَ الجملة الأساسية. كان هذا الاختيار الاستراتيجي وهو اختيار استراتيجي لكنّه قابل للخرق والانتهاك والخيانة ويخضع في النهاية للحظة الكتابة الفعليَّة، وهذه اللحظة غير مشروطة بشيء، بل قد تُعَمَّد بين يديها أكثر الأساليب تقليدية، وقد نغفرُ تحت هيبة صدقها سولافيَّة ديستوفسكي وشوفينيته وعنصرية نيتشه ورومانيته ـ نفيًا للبلاغة والفصاحة. كان انحيازًا للجملة المُترجَمة الهجين التي قرأنا بها بروست وجويس وإدجار بو. كنتُ على اعتقاد، وما زلت، أنّ الأساليب الأدبية غريبة داخل قواعد وأصول اللّغة. إنّ الأساليب الأدبية بمثابة فيروسات تضرب أساس اللّغة.

أطلق برودون الفيلسوف الفوضوي في القرن التاسع عشر صيحة العدالة الاجتماعية «الامتلاك سرقة». كانت الصيحة هي الوقود العاطفي لكلّ الماركسيّات العلمية. أستطيع بالمِثل إطلاقَ مُصادرة شاعرية فيما يخصُّ الكتابة بقولي «الكتابة مرض». التكرار في كتابي «مرآة 202» تلفحه تيارات العصاب، لكنَّ هذا التكرار من جانب آخر ينفتحُ على ألعاب درامية وأسلوبية. البطل عماد نراه بضمائر مختلفة، ضمير الغائب وضمير المُخَاطَب وضمير المُتكلم. كان حرصي على ثبات الحدث الدرامي، أو إذا شئتَ القول: حرصي على شحوب الحدث الدرامي إلى أقصى درجة ممكنة في مقابل الثراء والتنوع لصوت الراوي. هناك في الكتاب مقاطع نثرية تبدو غامضة في سياق ضمير الغائب، ثم تُستعاد مرة أخرى في سياق آخر بضمير المُتكلم، فيزول غموضها، وتلقي ضوءًا بأثر رجعي على مكانها الأول، بحيثُ يشعر القارئ برغبة في الرجوع إلى سياقها في ضمير الغائب، وكأنّه لم يقرأها كما ينبغى، وكأنّ رجوعه سيُضاعف في المعنى. هذه هي شفرة التكرار التي تدور في كتاب «مرآة 202». هناك على طول الكتاب مونولوجات داخلية وأفكار باطنية، عابثة وعدمية ومُدققة في أشدّ التفاصيل تفاهة، تصير هذه الأشياء واقع شخصية عماد الذي يولع بتوليد أفكار من أخرى، وتحويلها إلى طريقة تفكير ورؤية للعالم. ما يبدو للجميع على أنّه مُصادفَات قدرية وتناظرات وتماثلات لا تعني شيئًا سوى أنّها تحققتْ، ينظر عماد إليه نظرة أخرى. في كلّ النصوص سنجد طرفين يُؤسَس لهما، طرف جاذب للانتباه بطبيعته، في كونه يحصد فكرةً جادّة ومثيرة وهامّة، وطرف آخر هامشي وبعيد وتافه، في كونه محض تفصيلة ما تلبث حتّى يزداد حضورها وتتضخّم لتصير هي الأصل كاسرةً توقُّع القارئ الذي ظلّ طوال الوقت مع الطرف الأول الجاذب للانتباه والجدير بالحضور والتضخم. فبينما نُهيّئ أنفسنا في قصّة «سنوات» لحدثٍ مثير يتذكّر فيه عماد صديقة ميتة زارته في حُلمٍ بعيد، وهو يمسكُ بيديه صورة فوتوغرافية تضمّ الصديقة مع زوجته، ها نحن نواجه فكرة الشيخوخة والموت والزمن، ونُهيّئ أنفسنا للدخول في مجموعة من العلاقات، فإذا بعماد يدير ظهره لذلك كلّه لينصب تفكيره على التراتبية الرقمية الخاضعة للمصادَفَة فقط التي تتمثّل في عدد السنوات التي تفصل حلمه بها عن تاريخ موتها، والسنوات التي تفصل عمره عن عمرها، ثم السنوات التي تفصل عمره عن عمر زوجته، ثم السنوات التي تفصل عمر زوجته عن عمر صديقته. ونتيجة هذا التأمل هو صعود الثغرات والفجوات الزمنية المخيفة لمن يتملّاها والحافلة بشفرة معقّدة، على حساب الطرف الكلاسيكي المُعتاد في الأدب.

الصفحات