كتاب " السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين " ، تاليف د.
قراءة كتاب السرد والسرديات في أعمال سعيد يقطين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
السرد العربيّ القديم:إشكالية المنهج وجدلية القراءة حاشية على مشروع سعيد يقطين
هيثم سرحان
(ناقد وباحث أردني)
-1-
تُمثّلُ أعمال الناقد سعيد يقطين مشروعًا معرفيًّا ذا خصوصيّة بارزة تتمثّلُ في مدوّنته السردية والنقدية التي تتصف بالإحكام من جهة والتّميّز من جهة أخرى. فأمَّا وجهُ الإحكام فيتمثّلُ في حرص سعيد يقطين على الإقامة في دائرة الحقل المعرفيّ المُتجانس موضوعًا ومفاهيمَ وآلياتٍ؛ إذ راكم، منذ ما يربو على ثلاثة عقودٍ، جهدًا كبيرًا وواضحًا في حقل السّرديات سواء تعلّق الأمر بالاشتغال النظريّ والمنهجي أم بالمجال التطبيقيّ والتحليليّ في السرديات العربية المعاصرة (= الرواية)، والسرديات العربية القديمة (= الخبر وأدب المجلس، والسيرة الشعبية، والحكاية والأخبار).
غير أنّ هذه الإقامةَ لم تكن إقامةَ المُطمئنّ وإنما كانت إقامةَ القَلِقِ الذي تحفزهُ روحُ المغامرة والكشف على مُساءلة ما يلابس موضوعاته من إشكاليات وما يساور أسئلته من شكوك وما يكتنف خطابه من ثغرات تستدعي نظرًا مُستأنفًا ومُعاودةَ تحققٍ وتثبّتٍ وتحوّط يشهدُ بذلك أنه واصل عمله بدأب ونشاط كبيرين حققا له ولمدونته المكانة النقدية اللائقة التي يستحقانها بامتياز.
وأمّا وجه تميّز مدونة سعيد يقطين فيتمثّل في إقدامه، منذ ثمانينات القرن المُنصرم، على تطويع المنهجيات النقدية وتبيئة آلياتها واختبار مفاهيمها وأدواتها من أجل تقديم قراءات جديدة للسرديات العربية القديمة والحديثة والمُعاصرة على السواء. وضمن هذا السياق تحضر أبرز علامة في مشروع سعيد يقطين تلك المُتمثّلة في الجدل المنهجي النقدي الذي ظلّ مُهيمنًا على خطابه ومسيطرًا على مرجعياته.
-2-
يؤمن سعيد يقطين بأنّ "القضية الثقافية" أبرز القضايا التي ينبغي الاهتمام والعناية بها في سبيل تطوير قيم المجتمع العربيّ الثقافيّة والارتقاء ببنياته الذهنية. فالقضية الثقافيّة قادرة على حسم البلبلة المعرفية وتطويق الجهالات التي تهيمن على مجالات الحياة الأساسية. فضلا عن أنّ القضية الثقافية قادرة على تأسيس برامج الإصلاح الشامل والنهوض بمشاريع التنمية الكاملة؛ فالقضية الثقافية لا تهدف إلى ترقية التعليم وبرامج الثقافة والمعرفة فحسب وإنما تستهدفُ تعميق الوعي الإنسانيّ لدى أفراد المجتمع العربـي وخلق مسارات تواصل خلاّقة[1].
ويعزو يقطين أسباب الاختلالات الثقافيّة في العالم العربـي إلى غياب المؤسسات الفاعلة القادرة على رأب التصدّعات التي تعيشها المجتمعات العربية. وهذا يعني أنّ المؤسسة الثقافية التي ترعى التقاليد الإبداعيّة والنقديّة وتسهم في خلق بناء اجتماعيٍّ ضرورةٌ كبرى في بناء الوعي الجمعيّ حيث تأتلف الأصوات لتؤلِّفَ إيقاعًا جماعيًّا. لذلك فإنّ محنةَ المجتمع والخطاب العربيين يكمنان في غياب المؤسسة التي ترعى الخطاب وتؤمّن فاعليته علاوة على أنّ حضور المؤسسة الفاعلة يسهم في صناعة السلطة الثقافيّة القادرة على تأسيس تصوّر للأدب وممارساته[2].
أمّا المستوى التطبيقي فيرى سعيد يقطين أنّ للمؤسسة الأدبية أدورًا مهمّة تتمثّلُ في تأسيس حلقات دراسيّة لبحث تصوّرات مُغايرة عن الأدب، وتكوين مدارس واتّجاهات إبداعيّة مُتمايزة فنيًّا وإيدولوجيًّا علاوة على اعتماد روح البحث والتجديد بعيدًا عن التعبيّة والتقليد والانغلاق والاجترار[3]. ووفق هذا التصّور فإنّ "الناقد الأدبيّ يهتمّ بالتجليات الملموسة (النصّ الأدبيّ)، مُستلهمًا مُختلف المنجزات التي تتراكم من خلال أشغال العالم الأدبيّ"، وهو الأمر الذي يستوجب انفتاح النقد الأدبيّ على المعرفة الإنسانية واستناده على إنجازات البحث العلميّ المُتَحقق في مختلف العلوم الأدبيّة عن طريق تقويض الحدود الفاصلة بينها[4].
وتقوم الرؤية النقدية عند سعيد يقطين على الانتقال بالخطاب النقديّ إلى التفاعل الإيجابيّ الذي يُساهم في تطوير الوعي والمعرفة بالنصّ والمجتمع، وتغيير آفاق التفكير العربـي بتحويله من مرحلة الانقطاع إلى التحوّل. وسوف تسهم هذه الرؤية النقدية في إنجاز التفاعل الثقافي الذي يحوّل العملية النقدية إلى عملية إنتاج معرفيّ تعمل على البحث عن رؤية نقدية جديدة بديلة من جهة، وإنجاز قراءات نقدية علمية للرؤى النقدية القديمة المُتحققة ومعاينة حدودها من جهة أخرى[5].