قراءة كتاب خطاب الصورة الدرامية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خطاب الصورة الدرامية

خطاب الصورة الدرامية

كتاب " خطاب الصورة الدرامية " ، تأليف حسن عبود النخلة ، والذي صدر عن منشورات الضفاف ل

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 5

هذه العملية تتم بعد ان يمر الجسد بتطور حركي يأخذ شكلاً تصاعدياً فيه معالم الخطاب الحزين. حيث ينطلق هذا الطقس الديثرامبوسي ((بأشارة من قائد الكورس..، والغناء نواح وعويل، يصحبهما نفخ في الناي، وقرع الطبول، ورنين الصنوج (..) وتتصاعد حركة الرقص رويداً رويداً، والأصوات بالغناء حتى يبلغ المحتفلون حالة "المانيا"، وهي "جنون مقدس يقذفه الإله في صدر الإنسان". اذاك، ينقض المحتفلون على الحيوان يمزقون لحمه ويأكلونه نيئا، ويلعقون دمه الساخن. يمزقونه حياً، او تواً بعد ذبحه، فيما لا يزال ينتفض))[1].

يتم جزء من الطقوس الديثرامبوسية البدائية عند اليونان على هذا النحو حيث تنتقل الطاقة المحركة بين الأجساد لتسري بقوة لا إيقاف لها الا بتمزيق الجسد الساكن (جسد الحيوان) الذي أوثق في المذبح تحضيرا لهذه اللحظة، وهذا الحيوان الذي غالبا ما يكون عنـزاً يعبر عن ملامسة واقعية لذات الإله لأنه رمز له. ومن خلال هذا الرمز تحل قوى الإله في الأجساد الأخرى التي أصبح جزءاً منها بعد ان لعقت دمه وتناولته حياً ولم يزل محتفظاً بقوة الحياة.

اما في شكل احتفالي أخر هو السائد لدى المجتمع اليوناني لكونه يمثل المجموعة الأكبر والأمثل وهي تجوب الشوارع وتطوف بمواكب ضخمة، فان الجسد يتعرض لأقصى عمليات التهتك، حيث يكون خطابه مدفوعا بنشوة عارمة وبلذة جنسية متصاعدة بل ((لقد جرت العادة ان ترسل كل مستعمرة "عضو ذكورة" من قلبها إلى اثينة حيث تقام الاحتفالات الديونيسية))[2].

ومع نوع الطقس القائم على تعبير الجسد لم يكن ليُقرأ في تلك الطقوس سوى خطابٍ ثابت موحد من ناحية الفكرة ومن ناحية التجسيد الفني المتعلق بالطقس الديني. ولم يحظ خطاب الجسد بالتفرد أي ان يكون معبرا عن فكرة خاصة بمعزل عن كيان الطقوس- فكرة منفصلة عن الذات الإلهية ومصورة للذات البشرية وحدها، وما يضج في داخلها من إرهاصات تجاه وجودها او موقفها من الحياة والمجتمع- الا بعد ان دخل في حيز الفن المسرحي فغدا فكرة مؤثرة، وأداة قرائية مهمة، بل أصبح مصدر قراءات متعددة- كما سنوضح هذا لاحقا.

وبدخول الجسد في حيز النص المسرحي فقد تحول من الجانب الوظيفي المنغلق (الارتباط بالتعبير عن الشعيرة الدينية بجوانبها الثابتة والمتكررة)، الى الجانب الفكري المنفتح (التعبير عن موقف الانسان تجاه الكون وتجاه وجوده في هذه الحياة المتطورة). وبذلك دخل الى مرحلة الوعي بعد ان تحول من الانصهار في المتطلب الديني بشكله السطحي المبتذل الذي يتبنى التضخيم الغرائزي، والغرق بالنشوة، والتلاشي في ذات الإله العظمى، والتبعية له. الى معترض عليه، ومعبر عن موقفه تجاهه، وممتلك لذاته الخاصة.

نقول ان الجسد كان تابعا في هذه المرحلة (مرحلة الخطاب الحركي) لانه كان فاقداً هويته الخاصة بعدَها جزءاً من هوية عظمى هي هوية الإله، واسيراً للنشوة التي يبعثها الإله فيه، والتي تبسط سلطانها الفادح عليه، وتلزمه بأن لا يشعر سواها وصولاً الى الانصهار بذات الإله.

ومن هنا يتسأل (تشيني) حيث يقول: ((فهل كان من الممكن ان تسمح هذه النشوة التي تزخر بها اعماق النفس بأن ينصرف صاحبها بعد تقديم قربانه دون ان ينتظم في المواكب من مواكب العرض المسرحي؟ وهل كان يكتفي.. بمجرد أن يسير الشخص وينشد ويلقي بالنكات والمزاحات؟ كلا بالطبع، لقد كان مما لابد منه ان يمثل دور الإله الشخص الذي يكون إلهاً))[3]

الصفحات