كتاب " بني آدم خمسة عشر عامًا مع الإخوان وسنة ونصف مع شفيق " ، تأليف شريف عبد العزيز , والذي صدر عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام .
قراءة كتاب بني آدم خمسة عشر عامًا مع الإخوان وسنة ونصف مع شفيق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بني آدم خمسة عشر عامًا مع الإخوان وسنة ونصف مع شفيق
الفصل الأول
بني آدم
قالات للمؤلف تمَّ نشرها بعد 25 يناير 2011
بني آدم
أول مقالة نشرها الكاتب بعد الخامس والعشرين من يناير 2011، وقبل تنحي مبارك
بداية الأمر
مثل الكثيرين؛ تشككت في البداية في نجاح يوم الخامس والعشرين من يناير لعام 2011، وتشككت في طريقة الدعوة له، وتشككت أيضًا فيمن دعا له، خاصة وأن جماعة "مبهمة" على موقع الفيسبوك لا يعرف الكثيرون من هم أصحابها هي من حشدت الناس لذلك اليوم... وكما كان الكثيرون متشككين مثلي، كان هناك أيضًا الكثيرون متفائلين؛ أو على الأقل متهيئين نفسيًا للمشاركة بحماسة معقولة، وعلى الرغم من غموض الدعوة إلا إني كنتُ أعرف شخصيًا بعضًا ممن حشدوا لفكرة الدعوة لتظاهرات يوم 25 يناير وهم من شباب النشطاء الذين ظهر بعضهم فيما بعد على شاشات الفضائيات وشتى وسائل الإعلام.
إن فكرة الثورة ضد نظام مبارك استهوتني كثيرًا في السنين الماضية، بل جاهرتُ عدة مرات بضرورة حدوث تغيير وإيقاف ما يُسمى بمشروع التوريث، والبحث عن وسيلة لتصحيح المسار منذ عام 2003.. ولذا جاءت الدعوة ليوم 25 يناير "على هوايا" تمامًا، وفي نفس الوقت شعرتُ بشيء ما يحيك في صدري تجاهها.
صراع الأجنحة داخل النظام
لقد سبق وأن حدثت مثل هذه الدعوات على الفيسبوك ولكنها لم تلقَ أي صدى، ولم نعلم حينها فيما إذا كانت الحالة التونسية هي في الحقيقة السبب الأقرب لقبول فكرة "أن ما لم يمكن ممكنًا أصبح ممكنا" أم لا...
دائمًا ما كانت تشغلني فكرة تصارع القوى داخل أروقة الحكم وهي بلا شك صحيحة وواضحة أيضًا، ولقد شهدتُ بنفسي مشاهد لها قبل سنين حينما انتشرت صور السيد عمر سليمان في القاهرة على الحوائط في يوم وليلة حينما استيقظنا فرأينا بوسترات تدعو لانتخابه رئيسًا، وكان حينها يوجد حديث متصاعد حول إمكانية التوريث من مبارك لابنه ورفض المؤسسة العسكرية لذلك، وكان لهذا الصراع أيضًا مشهد ملفت حدث قبل شهور قليلة سبقت حدوث ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهي تصارع أفراد من الحزب الوطني مع بعضهم البعض وخاصة بعدما قام رجل الأعمال المعروف أحمد عز بتصفية كل أعضاء الحزب الوطني الذين لا يتفقون معه في سياساته الحزبية وخاصة ما بدا واضحًا حينها في أنه يعمل وبشكل كامل لصالح جمال مبارك، وحينها قام عز بإبعاد كل من توقع أنه لن يخدم سياساته في البرلمان الذي كان مزمعًا عقد انتخاباته، فيما يُسمى بالمجمع الانتخابي للحزب الوطني، ولقد أطلق البعض على ما فعله عز من إقصاء أعضاء كثيرين من الحزب الوطني "مذبحة المجمع"، ورأينا ولأول مرة في تاريخ الحزب الوطني الحاكم أعضاء الحزب الوطني يتنافسون على مقاعد البرلمان في نهاية 2010 ضد بعضهم البعض، وهذا كان مؤشرًا لزيادة الصراع، ولقد لفت نظري وبلا شك وأصبح مؤشرًا لشيء ما قادم.
ودائمًا ما كانت تساورني شكوك حول ضلوع تلك القوى المتصارعة أيًّا ما كانت في أي عمل سياسي "شعبي"، فنحن لا نعرف ماذا يضبط تصرفات هؤلاء أو هؤلاء، ولا لأي حد يمكن أن يتورطوا في استخدام الناس كوقود لأعمال وأنشطة تهدف في النهاية لتكريس أوضاع تخدم مصالح جهة متصارعة على حساب الأخرى، ولعله لم يكن خافيًا على المراقبين السياسيين أن رأس المال السياسي كان متصارعًا، فرجال الأعمال يتصارعون فيما بينهم بما فيهم الوزراء الذين كانوا وزراءً ورجال أعمال في نفس الوقت، وكان صراعًا آخر يدور بين المؤسسة العسكرية وبين بؤر رأس المال هذه، وصراع ثالث ربما داخل المؤسسة العسكرية وبين أجنحتها العدة، وكل منهم يسعى لنسبة من التمثيل السياسي أو قل ربما الاستئصال السياسي بمعنى أن جانبًا يقصي جانبًا تمامًا، ناهيك عن أن أجهزة المخابرات الخارجية كانت ولابد من أنها تراقب بمنتهى الحذر ما يحصل وقد تكون ضليعة فيه بشكل أو بآخر، وسنعلم ذلك ربما لاحقًا.
ملاحظات على يوم 25 يناير
يوم 25 يناير هو يوم غير مسبوق بأي حال، ورغم تحفظي وتشككي كما شرحت في بداية مقالي؛ فقد شاركت في التظاهرات بالفعل لتأييدي لمطالبها الأولى التي لا يمكن الاختلاف عليها خاصة وأني كنت معارضًا لنظام مبارك لسنين طويلة، فنزلت وشاركت، ولخوفي على زوجتي التي أوحت لي برغبتها في المشاركة، أقنعتها بالمشاركة في رحلة عائلية بعيدة ولم أخبرها بنيتي في المشاركة وزعمتُ أن لديَّ عملاً يجب أن أؤديه... وبالفعل نزلت أنا إلى الشارع مبكرًا، وشاركت في التظاهرات ووصلت مع من وصلوا إلى ميدان التحرير بعد صلاة العصر تقريبًا، وكنت في الحقيقة في حالة مراقبة شديدة أثناء المشاركة، لدرجة أنه لفت انتباهي أشياء كثيرة ربما لم تلفت انتباه الكثيرين، فقد لفت انتباهي مثلاً أن الشرطة لم تمارس أي عمل قمعي طوال النهار؛ وهذا شجَّع آخرين للنزول... ولفت انتباهي أيضًا المبالغة في الأرقام المجتمعة والمتظاهرة وهذا أقلقني في بداية الأمر ولكني فطنت فيما بعد إلى كونها وسيلة للحشد ووسيلة لتشجيع الناس للتزايد في العدد، وقد كان يقوم بهذا الأمر شبكة رصد والتي كانت ما تزال جديدة في الساحة ولا يعرف أحد توجهها، وقد يبدو في بادئ الأمر أن المبالغة والتهويل في الأرقام المشاركة في التظاهرات أمرٌ محمودٌ حينها، إلا أنه ينبئ عن بداية ظاهرة ربما تحدث فيما بعد حينما يصبح هناك ما يسمى بالتظاهرة والتظاهرة المضادة، فيبالغ كل فريق في أعداد حشوده بغرض الصراع السياسي والتنازع الفكري...
ولفت انتباهي أيضًا أنك لو خرجت خارج حدود ميدان التحرير أمتارًا قليلة تجد الغالبية العظمي من الناس في الأسواق لا تشعر بمن في الميدان وكأن هناك "مصرين"، مصر داخل الميدان ومصر خارجها، للدرجة التي شعرت فيها أن الناس خارج الميدان لا يبالون بما يحدث على الإطلاق في داخل الميدان حيث كان يجتمع قرابة المغرب حوالي خمسة آلاف شخص أو أكثر قليلاً يحيطهم من كل جهة قوات الشرطة والأمن المركزي.
القلق يزداد
في هذا الوقت أيضًا تملكتني عدة مخاوف ونحن مقدمون على عمل لا أعرف فيما إذا كان سيأتي بنتائج أفضل أو يسمح بما لا نعرفه أو لا نتوقعه، أن يتجلي ويظهر فيكون سلبيًا أكثر منه إيجابيًا، وعلىَّ أن أقول إني كنت أكثر حماسًا لفكرة الثورة منذ سنين قليلة فقط، ولكن واقع المناضلين السياسيين والنشطاء والنُخب كان مزريًا ومتفتتًا وعنتريًا ومخزيًا، وللأسف كانوا يحاولون تصدر مشهد الخامس والعشرين من يناير، وكان تفتت النُخب والنشطاء قبل ثورة الخامس والعشرين ملفتًا جدًا إلى الدرجة التي جعلتني أحجم عن المشاركة في كثير من أعمالهم قبل 25 يناير، خاصة وأن ملامح الفساد تظهر على كثير منهم رغم أنه يدعون أنهم يحاربونه... ثم جاءت الدعوة ليوم 25 يناير وكل ما سبق يخيم في عقلي وقلبي، وكل تلك الأسئلة تجول بخاطري وقد أجد إجابة لها قريبًا.
بالتأكيد، سواء صحت فكرة "الثورة الممسرحة - Staged" أو "الثورة التلقائية - Genuine". ففي الحالتين فإن الأمر على الأرض قد اختلف، فلقد أصبح الوضع الآن خارج السيطرة تمامًا خاصة بعد يوم الثامن والعشرين من يناير وأصبح له تداعيات ستظهر مع الوقت بحلوها ومرها.
ظهرت أشياء إيجابية وأخرى سلبية، وظهر أيضًا لأول مرة قدرة الناس على النزول والاحتجاج بلا خوف وهو أمرٌ محمود، وكل ما تلا ذلك دلَّ على أن الذين خافوا في بداية الأمر حينما رأوا الألوف نزلت، قرروا المخاطرة بالمشاركة، ثم تلاه قطع الاتصالات، فنزلوا على مراحل متتابعة بأعداد غفيرة قد تكون مئات آلاف أو ربما ملايين؛ لا أعرف بالضبط، ولكنها كثيرة جدًا مقارنة بأي وضع سابق ربما نحاول أن نقارن به من التاريخ المصري.. ولكن على كل حال ما حدث كان بشكل أو بآخر غير مسبوق، ثم إن ثقافتنا كمصريين بدأت واضحة في تفاعلاتنا جميعًا مع الأحداث حسب تتابعها فظهرت ملامح كثيرة لكل ما تحدث عنه الكثيرون في سنين سابقة من آمال أو مخاوف كنا نحاول أن نحللها ونحاول فهمها، سواء أصبنا في بعض أو لم نصب في البعض الاخر... والسؤال يطرح نفسه الآن وبشدة: إلاما نسير الآن ؟
الكثيرون يقولون: ليس مهمًا، المهم أن خطوة للإمام قد حدثت...
والبعض يقول: المستقبل قد يكون أسوأ... والبعض الآخر يقول: ربما لن نعرف الآن، وربما تظهر تداعيات هذا مستقبلاً بالحلو والمُر.
وحدث ما كنت أخشى منه
اكأبتني كثيرًا حملات التخوين المتبادلة بين الأصدقاء الذين اختلفوا على تفاصيل فيما حدث من أحداث وقعت من يوم 25 ثم ما تبعها، حيث اكتشفت أن بعضًا من الذين نزلوا إلى الشارع مؤمنين بحرية الرأي؛ لا يمتلكون القدرة على منع أنفسهم من قمع آخرين على الإطلاق، لأنهم فاشيون بالسليقة، وكم أخشى من هؤلاء... فهم شرٌ محض.
أؤمن أن الثقافة الذاتية لأشخاص عديدين سيتم امتحانها يومًا بيوم.. سينكشف الناس على حقيقتهم... وكل ما آمنا به من مبادئ أو ادعينا أننا نؤمن بها ستظهر أدلة عملية؛ لتثبتها أو تنفيها؛ خلال الأيام والأسابيع القادمة.
لا زلتُ أؤمن بان الاتساق هو الحل، الاتساق مع القيم التي نؤمن بها بالفعل، ولعله أمرٌ مثالي أو غير واقعي، ولكني أؤمن بأن الذين دفعوا الناس للنزول إلى الشارع ليسوا بالضرورة متسقين مع مبادئهم التي أعلنوها من قبل، هذا وقد نزل المئات من الآلاف من الناس الآن وربما هم لا يمتلكون كثيرًا من هذه القيم ولا يعرفونها أيضًا... ولذا سيتشكل مستقبل مصر من هؤلاء، وسنرى وهو يتشكل أين تمضي مصر.
وفي خضم الثورية العالية ويوفوريا الحالة، حدث تحول ملموس في العلاقات الإنسانية، فرأينا المسلمين والمسيحيين في حالة حنو ووحدة بشكل ملفت في الميدان مثلاً، وعلينا أن نرى ونراقب كم ستمكث تلك الرومانسية الإنسانية لتتحدى خرائب الذات التي لازالت داخل كل منا، خرائب مثل الالتفاف والتناقض والتعالي والأنا المتضخمة وتبرير الفساد الذاتي للنفس؛ وإنكاره على الاخر... وسنرى وسنتعلم في تلك الحالة الإنسانية الجديدة... وسأتعلم مع من يتعلمون بلا شك.
بني آدم
بينما كنتُ في ميدان التحرير أسير مع زوجتي هناك وهي حامل في الشهر السابع.. وقد حدث هذا بالأمس فقط... قال لي صديقٌ رآني مع زوجتي : " لديك ابنٌ لم يولد بعد؛ قد ناضل بالفعل... فهو مناضل وثوري".. فقلت له بعفوية: "ليس مهمًا أن يكون مناضلاً ولا ثوريًا " - قلتُ هذا وقد بدأتُ أرى توزيع الألقاب وتقسيم الغنائم والعجرفة والفاشية تظهر بين بعض من هؤلاء الذين شاركوا في الخامس والعشرين من يناير - ثم أكملتُ قائلاً: "الأهم أن يصبح ابني (بني آدم)"... لمعتْ عيناه... ثم مضى كلٌ منا في حال سبيله وأنا أفكِّر فيما قلته بشكل تلقائي... نعم "أنا عايز ابني يطلع بني آدم"... هذا هو جُلُّ ما كنت أتمناه لنفسي ولبلدي وللناس؛ ولا زلت... سنرقب إلى أين تسير مصر، ولعله خير ؟.