أنت هنا
مرام المصري
حياة الكاتبة:
هي شاعرة من مواليد اللاذقية 1962 سوريا درست الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق ثم انتقلت إلى فرنسا لتستقر هناك منذ 1984.
تستمر مرام تائهة في دهاليز حياتها اليومية بعد زواجين سابقين كانا كافيين لكي تمضي مرام مصري بقية أيامها منفردة، مغرّدةً في عالم الشعر والإبداع، بعيداً عن قواعد الحياة الزوجية الروتينية، إذ هي بطبيعتها ومنذ نعومة أظافرها كانت تغرد خارج سربها فهي أولاً تأثرت بالتربية البيتية الداخلية التي تلقتها من والدة سورية كانت "فنانة" تعنى بجماليات الرسم والموسيقى، ووالدٍ لبناني علماني من طرابلس محب للحياة شغوف بملذاتها، وباحث عن السعادة التي أحاط بها أسرةً كانت مرام الابنة الكبرى فيها.
وقد بدأت معاناة الشاعرة في مخاض هذه الحياة الصعبة باكراً، فهي كانت تتأثر بسماع الموسيقى الغربية التي سادت في أيام السبعينات كموسيقى "البيتلز"، و"البنك فلويد" التي كانت تحمل سلوكاً غنائياً مرتكزاً على بعد إنساني وأدبي بحت، والتي غزت المجتمعات العربية والغربية من دون أية اعتبارات لملائمة الرسالة الإنسانية التي تحملها مع تركيبة هذه المجتمعات وعناصرها المختلفة والمتناقضة. وكانت إلى جانب قراءاتها للكتب الأدبية تائقةً للمزيد من الاطلاع على الثقافة الغربية كتابة، وشعراً ونثراً ما ساهم في تكوين الحس الأدبي الداخلي لدى الشاعرة الذي أدى فيما بعد إلى امتلاء قلمها بحبر الجمال، والحرية، ثم التمرد والسعي إلى اكتشاف الذات ومواجهة الحصار الاجتماعي، والتوق إلى عالم جديد نسجته في خيالها، وهي لا تزال أسيرةً لهذا النسيج إلى اليوم.
من هنا نفهم لماذا جاء شعر "مرام مصري" مثل حكاية إنسانية مشحونة بالانفعال والقلق والرغبة والتمزق الداخلي والحلم، مكتوبة بحبر القلب ووجع الروح والحنين والفراق والتباعد:
"لأنه لم يعد بيننا حساء دافئا نتناوله،
حديث فاتر نكرره،
لأنه لم يعد بيننا غير سرير،
لا تنبت عليه إلا الطحالب
وليل لا يمحو تعب النهار،
لأنه لم يعد بيننا سوى أطفال
نجهز لهم أوهامنا على طبق"
في فرنسا وجدت الشاعرة نفسها لا شرقية ولا غربية، ففضلت أن تكون قبل كل شيء: "إنسانة"، وجدت الشاعرة نفسها وليدة حضارتين مع كل ما تتضمنه هذه الولادة من صعوبة، صعوبة الانتماء وتحديد الهوية وإيجاد القواسم المشتركة والبحث عن الذات والبحث عن الأرض الأخيرة:
"أنا لا أبحث عن علاقتي بالأرض ولكن عن علاقتي بالكيان الإنساني"وهي تلحظ الفارق اللغوي البسيط بين كلمتي Terre (الأرض) و etre الكيان فكلتا الكلمتين مركبتين من الأحرف ذاتها لكن في سياق مختلف. فتقول في مقابلة أجرتها معها مجلة “three monkeys online” في آب 2005 والتي تصدر بالإنكليزية والإيطالية والإسبانية:
I feel no relationship with the land, my relation ship is with human beings your country is where you are respected and loved (Terre et etre, there are the same letters).
إن شعور مرام "بعدم الكينونة" وازدواجية الانتماء أثار عندها ردة فعل ترجمتها كتابة بالتطرق إلى كل ما هو ممنوع أو مشوب بطابع الغموض والسرية، ويجب عدم التطرق إليه أو المس به في المجتمعات العربية المعاصرة، فهي لم تتردد في إعلان رغباتها الإغوائية وحاجاتها إلى الحب، وهي تعتبر أن الإغواء هو نداء للحب والروح والجسد معاً وأن أية علاقة لا تتزود بوقود "الغواية" لا يكتب لها النجاح ولا الاستمرارية.
وكأننا أمام شاعرة ذات عيون شرقية، وجسد غربي، وقلب ينبض بالحياة فأجادت قول التمرد بلغة سلسة وأبدعت في التعبير عن ذاتها وعن أمورها الشخصية الحميمية بسردٍ جميل وصور غير مألوفة وإيقاع رنان:
"تشعلني الرغبة،
تتألق عيناي،
أحشر الأخلاق في أقرب درج
وأعصب عيون ملائكتي
من أجل قبلة"
اختارت مرام مصري ما رأته مناسباً لها، رافضةً الخضوع لمنطق سائد وسلوك ثابت، وهذا يعني أنها تتحمل مسؤولية خياراتها وقراراتها، فجاء شعرها صورة واقعية عن تربية عائلية واجتماعية تقدم للإنسان الفرد مشهداً بديعاً عن الحياة، حيث الجمال والفرح والموسيقى الهادئة أدوات العيش اليومية، لكن ذات يوم يصطدم ذلك الإنسان الفرد بجدار الحقيقة من دون أن يخرقه أو أن ينكسر فيستمر فقط ليكتب الشعر وليعود ليبحث من جديد عن أرضٍ جديدة تأويه.
صدر للشاعرة مرام المصري ثلاثة كتب شعرية:
- أهددك بحمامة بيضاء 1984 عن الوزارة السورية للتربية والتعليم.
- كرزة حمراء على بلاط أبيض 1997 دار الزمان للطباعة والنشر في تونس.
- أنظر إليك 1998 عن الشركة اللبنانية للطباعة والنشر في بيروت
- وقد نالت جائزة ادونيس للابداع الفكري في العام 2000 في بيروت.
عن كتابها الأخير وترجمت أعمالها كافةً إلى الإنكليزية والاسبانية والفرنسية.
وهي لا تزال إلى اليوم مقيمة في باريس.