أنت هنا

$11.99
2المقالات النادرة

2المقالات النادرة

0
لا توجد اصوات

الموضوع:

تاريخ النشر:

2017

isbn:

9789776601383
مكتبتكم متوفرة أيضا للقراءة على حاسوبكم الشخصي في قسم "مكتبتي".
الرجاء حمل التطبيق المجاني الملائم لجهازك من القائمة التالية قبل تحميل الكتاب:
Iphone, Ipad, Ipod
Devices that use android operating system

نظرة عامة

كتاب " 2المقالات النادرة " ، تأليف : عباس محمود العقاد  ، من اصدار: دار المحرر الأدبي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

كان شتاء هذا العام في القاهرة موسماً عامراً بالمتعة الفنية التي تنتقل إليها.

شوهد فيه معرض التماثيل الفرنسية، وشوهد فيه معرض بل معارض شتى للصور المصرية، وشوهد فيه تمثيل فرقة من أحسن الفرق الإنجليزية لروايات من أحسن الروايات القديمة والحديثة، وشوهد فيه أو سمع فيه شريط شامل لأغاني الموسيقار العظيم جوهان شتراوس، الذي يقال بحق إنه أرقص الكرة الأرضية في مدارها؛ إذ لم يبق في المغرب ولا في المشرق إنسان يرقص على الأنغام الفنية المهذبة إلا وقد رقص على أنغام جوهان شتراوس.

عازف عظيم تفيض ألحانه بالمرح والطرب والشباب والحياة. بلغ مبلغ القادة أصحاب الفرق وهو في الحادية والعشرين، وعزف للملوك والملكات فغلبهم على وقار العرف، ووقار العرش، ووقار السن، في كثير من الأحيان. وما في التاسعة والأربعين عن مئات من أدوار الرقص على اختلافه، وخرج من العاصمة الإنجليزية قبيل موته في أسطول من الزوارق التي تحييه بالغناء والهتاف. . . وأوصى بعد كل هذا النجاح وكل هذا الطرب وكل هذا السرور الذي أمتع به الناس. فبماذا أوصى؟

بأعجب ما يخطر على بال. . . أوصى ألا يتعلم أبناؤه الصناعة الموسيقية أبداً، وأن يختاروا ما شاءوا من الصناعات إلا صناعة أبيهم. .  فأنبأنا بذلك نبأ ليس بالجديد، وإن كان لنسيان الناس إياه قد يحسب من الجديد الغريب: ذلك أن حياة الفن حياة فداء لأنها حياة فتوح. فما من فنان عبقري إلا وهو فاتح بمعنى من معاني الفتح والجهاد؛ وكل جهاد فداء، وكل فداء فيه ألم محقق، وللنصر بعده سرور مشكوك فيه، لأنه سرور يتمناه من قد حرمه من النظارة المتفرجين. . . أما صاحبه فقلما يحسه من قريب.

على أن أبناءه قد خيبوا حنانه وإن لم يخيبوا ظنه، فقد نشأوا جميعاً موسيقيين ناجحين مشهورين، وأوشكت إعمالهم أن تلتبس بأعمال أبيهم، ولم نسمع أن أحداً منهم أوصى بمثل وصيته في ساعة الوفاة، ولم نسمع بأعقاب لهم في عالم العزف والغناء!

كانت الليلة التي قضيناها في سماع (شتراوس) من ليالي الفن النادرة؛ وكانت دار الصور المتحركة مكتظة بالسامعين؛ وكان تسعة أعشارهم من الأوربيين، والعشر الباقي من المصريين الذين لا يسيغون ما يساغ من ذلك الغناء الشائع في بلادنا، إن صحت تسميته بالغناء.

وسألنا أنفسنا: أين يختلف الفنان وهما على حسب المفروض أو المظنون من معدن واحد؟

إن موسيقى شتراوس إحدى الموسيقات التي يصح أن تسمى غنائية بسيطة تمييزاً لها من الموسيقى العويصة المركبة التي يريدها عشاق فاجنر، أو الموسيقى العقلية الصافية التي يذيعها في هذا العصر ستافنسكي فإذا كانت هذه الموسيقى الغنائية لا تساغ في مصر فما الفارق بينها وبين موسيقى الغناء الشائع بين الجمهرة (السامعة) من سواد المصريين؟

الفارق أنك لا تستطيع أن تضع موسيقى شتراوس على لسان حيوان.

فهي تمثل المرح، ولكنه مرح الفكر الإنساني حين ينشط فيملى نشاطه على الحواس والأعضاء.