أنت هنا
نظرة عامة
عندما شرعت بالكتابة عن أبي القاسم الشابي، كنت أعرف، أن عدداً من الكُتّاب والمؤلفين والباحثين كتبوا عنه، وبجدية عالية، ولكنني عندما راجعت هذه المؤلفات وتمعنت فيها وجدت أن كل واحد تخصص في جانب معين، فبحث فيه واستقصاه قدر استطاعته وإمكانياته، ورأيت حينها أن القارئ بحاجة إلى كتاب يجمع بين دفتيه جوانب متعددة من حياة أبي القاسم وبيئته وشعره والمجتمع الذي عاش فيه، والدراسات التي أجريت حوله والتعرف على آثاره.
لم يعش أبو القاسم الشابي طويلاً، لكنه ترك آثاراً عظيمة من النثر والشعر، فهو أحد الشعراء الثلاثة الذين قضوا قبل الثلاثين، فكان طرفة بن العبد أولهم ثم أبو فراس ثانيهم. وكان آخرهم أبا القاسم الشابي الذي مات عن خمس وعشرين سنة، وقد فاق غيره، حين أبدع وحلق في نزعته الرومانطيقية ربما بحكم سنّه أو بحكم شاعريته، أو بحكم عصره. وقد سار في إبداعه مع طبيعة الشباب المندفع فأصغى إلى قلبه ووجدانه، وعبر عن بيئته وعصره أجمل تعبير.
ورغم قصر مدة حياته، فقد حفل أدبه بألوان من التجارب لم تتح لغيره فأثار النفوس إلى أدبه، سواءً كانت هذه النفوس معه في فلسفته أو كانت ناقدة له، صور من خلال نظرته الأدبية مجتمعه فكان كالآسي يعالج ما أفسد الدهر عليه من حياته، بعد أن اجتمعت في شخصيته صفات الفنان الثائر المتمرد الذي عرف الداء، فقدم الدواء بما أمكنه في حياته القصيرة ووسط بيئة جميلة أخاذة.
ولعلني قصدت من هذا الكتاب توضيح جوانب حياة الشاعر أبي القاسم الشابي ودراسته وثقافته ونشأته ورحلاته مع والده في أرجاء تونس ثم مرضه إلى أن وصلت إلى وفاته، وخلال ذلك بينت المؤثرات في حياته وشخصيته، كما عرجت على فنونه وأغراضه وإلى الصورة الفنية في شعره وفلسفته في حياته، ثم وضحت مذهبه الأدبي، وشاعريته وبينت خصائصه الفنية. ووضعت في الكتاب شرحاً لبعض قصائده لتكون نماذج على فكره وفلسفته.
ثم بينت علاقته مع غيره من أقرانه وأهل عصره من الشعراء والأدباء، ولزيادة الفائدة فقد أثبتت بعض الدراسات الأدبية والمجالات النقدية التي ألفت عنه، وفي نهاية الكتاب أثبت ما استطعت جمعه من أشعاره ورتبتها حسب الترتيب الزمني لنظمها.
وقد اعتمدت في كتابي هذا مراجع متنوعة ومتعددة، لكني لم أتطرق إلى نثره، لأن عنوان الكتاب خاص بحياته وشعره، مع أنني أوضحت رأيه في مسامرته عن الخيال الشعري عند العرب وما دار حولها من آراء. راجياً أن أكون قد وفقت لما خططت له من إحياء شعر أبي القاسم الشابي، ومعتذراً إذا تبين فيه نقص، داعياً المولى عز وجل أن يكون في هذا الكتاب الفائدة المرجوة والمؤملة للدارسين والباحثين، وأن يكون الكتاب علماً نافعاً، والله ولي التوفيق.
(من مقدمة المؤلف)
مشاركات المستخدمين