You are here

قراءة كتاب الرواية والمكان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الرواية والمكان

الرواية والمكان

جمعت كتبي الثلاثة،" الرواية والمكان" الجزء الأول الذي صدرفي شباط عام 1980والجزء الثاني من "الرواية والمكان" الذي صدر مطبوعاً في مجلة آفاق عربية العدد الرابع - حزيران 1980، ثم طبع ضمن الموسوعة الصغيرة عام 1986 وكتاب" المكان في قصص الأطفال" الذي صدرعام 1986،

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
القراءة المتأنية للقلة من الروايات الجيدة تعطيك: أن الكتاب قد عالجوا مشكلة المكان بطرق فنية متباينة، فثمة من الطرق ما هو تقليدي فج، لا تحصل منه إلا على إشارات ومسميات للمكان، هي شوارع، وبيوت، ومحال، ولكنها شوارع وبيوت ومحال بلا روح وبلا دم، بلا نغمة وبلا فن، وثمة من الطرق ما هو تجديدي تحصل منه على الكثير. فتفتح باباً أو تطل من نافذة فتجده بلداً، أو رقعه حوت الصراعات، أو ريفاً أنبت وأخصب، أو غرفة جرى فيها ما يجري في أرض ممراح. ثم ما كان منه شأناً في إضفاء سمة وصفية على الأسلوب، أو سمة شعرية على الخيال، فإذا به مكان جامع شامل وأن كان ضيقاً. ونحسب أن الأسلوبين يسيران سوية، شأنهما شأن الحياة، مليئان بالمتناقضات وبالصراعات، فما تلك إلا أن تؤشر أن البذرات التي أنبتها محمود أحمد السيد في جلال خالد- حصد ثمارها غائب طعمه فرمان، وما كان من شأن الأرض في " اليد والأرض والماء" عند ذنون قومتها الظامئون ورباعية شمران الياسري، هذا الصراع الخفي بين الطريقة والمادة، يجد مداه عبر الإبداعات المتناوبة ، ولا نحسب مهما كانت النتائج أن البدايات أفضل، فثمة ما يوحد الآن من استكمالات المكان أسلوبياً، لأن يجعل طريقة التناول نفسها متغيرة، لقد تلونت حياتنا وتعقدت بحيث غدت أبسط الأماكن أعقدها.
 
ولا أبدو مغالياً إذا قلت أن الاهتمام بالمكان أتفق مع بداية نهوض الاجتماعي والفكري، فاصبح الإحساس بالمواطنة متأت من الإحساس بالتاريخ، وبالمجتمع وبالعائلة. وقد ألبس ذلك كله لبوساً اجتماعياً تغيرياً .
 
مثل هذا الإحساس الذي رافق مسيرة الرواية العراقية منذ جلال خالد، وحتى آخرعمل "نافذة بسعة الحلم" كان يوضح قيم هذه العلاقة بشيء من إيضاح المقاصد ووضوح الرؤية ومتساوقاً مع النهوض الثوري الذي صاحب هذه المسيرة. فليس هيناً أن ترى روايات لا تقف عند الحدود المحلية للمكان، بل تمده لتجعل منه مكاناً عربياً وعالمياً- المغارة والسهل- لزهير الجزائري وليس هيناً أن ترى مكانك المحلي مصوراً بروايات عربية أخرى وقد غدا مثالاً ونموذجاً –السفينة- لجبرا إبراهيم جبرا وشرق المتوسط- لعبد الرحمن منيف. وليس هيناً كذلك أن تفتح قريحة الروائي العراقي وهو أبن الكثافة الأسلوبية فيجعل من مكانه الضيق-السجن- أو المنافي المختارة، أمثلة لكل أمكنة الحصار- القلعة الخامسة- لفاضل العزاوي المسافة- ليوسف الصائغ. ليخرج منها صوتاً موازياً طلبه الحرية ي لأتساع رقعة العمل. هذا الإحساس المتباين بالوطن وبالأرض جعل طريقة تناول المكان بحد ذاتها موقفاً اجتماعياً ومجالاً لأن نرى من خلاله الصراعات والمتناقضات. في الثلاثية لنجيب محفوظ مثلاً نتلمس الوجه الشائع للبرجوازية المصرية وهي تنهض من بين الأزقة والبيوت الفقيرة فتسكن القصور والسجون، وتمارس فعلها ليس على مستوى الأفكار، وإنما في طريقة حياتها داخل ذلك الوعاء المكاني الذي غلف الأحداث، وطبع الشخصيات بسلوكيات المنحى والانتماء.

Pages