قراءة كتاب يوم قابيل والأيام السبعة للوقت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يوم قابيل والأيام السبعة للوقت

يوم قابيل والأيام السبعة للوقت

ديوان "يوم قابيل والأيام السبعة للوقت" للكاتب والشاعر السوري نوري الجرّاح، الصادر عن "دار راية" في حيفا، يضم قصائد تستوحي أَجواء المحنة السورية الراهنة، والتي يطفر فيها الدم غزيراً، جرّاء توحش السلطة الحاكمة ضد الشعب السوري في ثورته.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
وفي البستانِ حيث سقط كوكب
 
وتشققت تحت خطى دامية أرضُ المسرّات
 
قال فلاحٌ لصبيٍّ كُسرت رأسه على صخرة
 
إنني أسمع رجفة الشتاء في ركبتي
 
والآن
 
جسده مستريح في طلقة الجندي.
 
فلا يصل مشهد العنف والقتل والاستشهاد اعتماداً على معجم مباشر، بل عبر تعويضات دلالية، مواربة بالمعنى الأرقى للتعبير، عالية الإيحاء في الآن ذاته. لغة القصيدة تؤدّي، ولا تصرّح عن، مرايا متراكبة من التمثيلات الشعورية («العين الغريقة / في صورةٍ / اغرورقتْ بالدم»؛ و«شقيقي الذي شقَّ الغروبُ رأسه / دمُه يقطر في ملابسي»؛ و«الصُوَر شِفارٌ تأكل الواقفين في الصور / الجنود ينحنون على البنادق والموت يتلفت»...). وهذه لا تحاكي تفصيلاً تسجيلياً، له دالة من أي نوع تفضي إلى زمان سوري على وجه الحصر ـ رغم أنّ مفردة دمشق تتكرر مراراً، ومثلها تتواتر اسماء أمكنة سورية أخرى ـ بل هي توفّر إلماحة، أو تحديقة، أو ومضة، أو علامة؛ أو تُلقي على التعبير، والمشهد في باطنه، غلالات تصويرية متعددة التعويض، كما تقترح اقنعة متحوّلة، وضمائر صريحة أو ضمنية، ولا تتواني عن ملامسة الوعي التاريخي بالحدث، الانتفاضة، دون أن تنزلق إلى شرك اقتباسه على وجه تقريري أو مباشر أو تسجيلي.
 
وإذا كانت القصيدة/ المستهلّ، «الأيام السبعة للوقت»، هي التي تحمل العبء الأهمّ في إدارة ميزان الذهب الدقيق هذا، بين خدمة الشعرية وخدمة البرهة التاريخية؛ فإنّ القصائد الأخرى تتولى، بدورها، أحمال تعميق جملة الخيارات الأسلوبية، الحداثية بعمق، أو عن وعي متعمّق، بطبائع الصلات بين الزمن التاريخي وستراتيجيات التعبير الحداثية. خصوصيتها الإضافية تكمن، إلى هذا، في أنها شهادات تنتمي إلى أزمنة كتابة متفاوتة؛ وبالتالي يمكن الافتراض بأنها شذرات أسلوبية تستجمع خصائصها عند، مثلما تتجمع في، تلك المطحنة الأسلوبية التي سبقت الإشارة إليها. قصائد مثل «بعد تأمل (إلى شاعر إغريقي)»، أو «طفل تيريسياس (أوديب مرّة اخرى راجعاً على الطريق نفسها)»، أو «سيزيف عربي يسكن في مدينة أثرية»، تحيلنا إلى غواية الجراح المبكرة، ولكن المتواصلة حتى اليوم، في تسخير المعطيات الإغريقية، ليس على أي نحو أسطوري، شائع أو مبتكر؛ بل وفق معادِل موضوعي حداثي تماماً، وأصيل أيضاً: تشغيل تلك الثنائية الديكارتية، دون سواها، بحيث تتيح تذليل شبكة واسعة من العناصر والشخوص والأقنعة والسرديات... وجعلها مهاد معاصرة، في المعنى والترميز والأسطرة والدلالة، يمكن تحويلها، أو حتى تحويرها، فضلاً عن البناء عليها.
 
في المقابل، ثمة قصائد مثل «موعد مع قابيل في مقهى عند النهر»، أو «قال أخوة يوسف»، أو «مساء في دمشق» أو «قصيدة إلى غراب»؛ تعيدنا إلى طراز خاصّ من الاشتباك مع حزمة التداعيات الأولى التي توحي بها مفردات مثل قابيل، او أخوة يوسف، أو دمشق، أو الغراب: نحن في قلب الموضوعة التي تسوقنا إليها هذه التداعيات، ولكن كلما تعاظم انسياقنا إليها، تعاظمت من جانب آخر مهارات شعرية خافية تنأى بنا عن الموضوعة؛ كأنها، في الخيار وضدّه على حدّ سواء، لا تطوّر الموضوعة إلا لكي تتفلّت منها! حكاية يوسف لا تعيدنا إلى ابن يعقوب، وتآمر أخوته، والجبّ، والذئب البريء، والسيارة؛ بل توجّه رسالة إلى الآباء (كما يقول العنوان الفرعي للقصيدة)، وتتوسّل افتراض سردية مضادة، وتقول: «لماذا أحببته أكثر مما أحببتنا، يا أبي؟/ لماذا أرسلت إلى قلوبنا غصن الغيرة وإلى بيوتنا عربة النار؟». «قصيدة إلى غراب»، من جانبها، لا تعيد إنتاج حكاية مقتل هابيل بيد أخيه قابيل، وكيف تولى الغراب تعريف القاتل على طريقة دفن الميت، بل تجهر، بضمير المتكلم المفرد، ذي النبرة الجَمْعية: «أعود وفي جعبتي مخرزان تيبّس فيهما دمٌ/ وإطار فارغ كان يوماً قشرة فاهية لصورة قابيل في جوار هابيل»، ثمّ تختم بالقفلة الصاعقة: «تعلّمْ أين تحفر، وأحفر هنا، يا غراب!».

Pages