تمثل رواية "القطيعة" للروائي السوري خليل النعيمي مرحلة مغايرة في الرواية العربيّة المعاصرة، لا تكتب للحكي، أو لتصف أو لتسلّي أو لتعظ أو حتّى لتنتقد، بل لتنقض وتهدم وتسعى لتحقيق تغيير جذريّ، وقطيعة مع كلّ ما هو سائد في الرواية والفكر والقيمة والبنية الأدبيّة
You are here
قراءة كتاب القطيعة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
تدفعني يداً، وقدماً، وبالأنحاء جميعاً، وبلا استثناء· وأسقط على الحصى والتراب· الخوف يملؤني والخراب· صوتها الذي كان يفيض بالغبطة والانتشاء، صار علامة الحَبْطَة والخواء: يومي دنا يا خليل· الرجل شافنا· يا ترا عافنا؟ ومثل الغيمة المفجوجة التي تُفْرِغ، دفعة، حملها الساخط بالماء، صارت تذوب وهي لم تبرح المكان· اللعنة! هي الأخرى، قبل الأوان تموت؟! كدتُ أكسر جذعها المتهالك· أزتّهُا، كلها، في الماء· كنتُ أريد أن أبلع الحقل كله· أن أشْلَعَ الحنطة وألقي بها، مع العالم، في الريح· وأن أهيل، بعد ذلك، التراب· أخلط القد بالمد· بهذا السماد المتراكم أمامي، وهذا الحجر والشيح، بمن أصيح الآن· بمن أصيح؟! الخوف الراعش، الذي حل في الربع، خرب الشهوة والاحتقان، وكالمعتوهة الحمقاء انتشلتني، مرة أخرى، من الغيم: سمعت حس التنك، الوَرّادات وصلن· واهتز كالبركان الذي قارب الانطفاء: الواردات؟! ورادات ابن جليوي· ورادات ابن الكلب· منيوكات الحنطة والشعير· الرافعات ذيولهن باستمرار· الكاشفات للريح أعضاءهن· عليها، تقع الشمس عمودية· عمودية· وبلا قرار· شمس الجزيرة الحارقة، التي تُكَبِّل الأنظار، وتملأ الانحاء شهوة وانتشاراً· وكأنني لم أفهم الحال حالاً، أعود، قبل أن أتدبر الأمر، أنَطُّ· أنط وأحُطُّ· أنط كالمسعور وبلا اتفاق· وتقع العين على العين· والحلمة على الحلمة· والسرة على السرة· والطرف على الطرف· ويظل الرأس قاسياً ومرفوعاً· والكيان يهتزُّ ويلتزُّ· وَطيِّ رأسك، الورادات وصلن· الورادات اللواتي سرعان ما يَرِدْنَ النهر· يَخُضْنَ مياهه الموحلة الصماء· تشق المويجات الصغيرة سيقانهن شقّاً· شقّاً· هن الأخريات، يبحثن عن الاحتماء والارتماء! خوضي يا وَلّي· خوضي· الجزيرة ساكنة وأمينة· والحر يقتل الخنزير· وأكاد أرى الانطواء والانضواء: الواحدة تَلْحق الأخرى· الواحدة تَلْعق الأخرى! ويروح رأسي يغوص· يغوص في المفْرق اللَّحيم عميقاً· ولا أعود أسمع إلا النقيق: نقيق الضفادع الخاتلة، مثلنا، في الأخماج، وصرير الأحياء الأخرى التي ترد الماء حَرّى، وعنه، تصدر وهي مثل ذلك! وأصير أضرب الضوء والفضاء· أحمي جذعي العاري من البَقّ· البَقّ اللعين الذي لا يكف ولا يعف· بق ابن جليوي· بق ابن الكلب· وفجأة، كالمسحور، يهجر البق فضاءنا وحِمانا، يهجرنا ليلحق السابحة في البعيد؟ وفي لهب الرطوبة والنار، يصير غماماً، يحيط بها، وهي تطير، مثل أنثى الجاموس: شَمْراً، شَمْراً، والماء يدفع بجسدها المكتز في الماء· الماء يضم الساق، يحف الوركين· يلامس العانة، يصل الباب· وبالباب ينذهل الماء: يتأخر· يتقدم· يتراجع· يتضاجع· ومن ثم يلثم الباب قبل أن يلجه من جديد·