You are here

قراءة كتاب بدل الضائع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بدل الضائع

بدل الضائع

في المجموعة القصصية "بدل الضائع"؛ تحملنا قصص راجي بطحيش على أجنحتها الرقيقة ثقل الأسئلة الوجودية العميقة. تقرأها فتمسك دهشة مراوغة تحاول الإمساك بخيوطها.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
ذبابة على جرح الحياة
 
يكتب راجي بطحيش قصصه بكثافة شديدة، يصل بمشرطه إلى أغوار المناطق النفسية المتأزمة لشخصياته مهملاً تفاصيلها الخارجية، يأخذنا، والأصح يحاول أن يأخذنا، إلى غير المرئي من حياتنا، إلى تلك المناطق التي نحاول تجاهلها، خصوصاً ذلك الجانب البشع والقبيح من النفس البشرية وما يؤثر في صياغتها ! تنتهي قصصه بمفاجآت تبدو عادية ولكنها تصدم القارئ، توقفه وترغمه على التأمل، فصاحب الفيات مثلاً، الذي وصلته رسالة تدعوه للتحقيق، يقلق لليلتين، وعندما يذهب إلى مركز الشرطة، يجد العشرات من أصحاب (الفيات) مثله في مركز الشرطة، وبعد دقائق من وصوله يتم أخذ رقم محرك سيارته ويطلق سراحه، وتكون النهاية أن حواف الطريق مكللة بالبراءة، فمخاوف صاحب الفيات وقلقه من التحقيق تتبدد بسرعة، لأن البحث لم يكن عن جرائم ارتكبها هو بالذات بل عن رقم محرك سيارته· لقد ذهب التحقيق إلى ما هو تافه وسطحي وترك الجوهر، وهي تلك الجرائم التي كان قد ارتكبها (صاحب الفيات) ! تأتي قصص راجي عاصفة وسريعة وحبلى بالمفاجآت الصغيرة ولكنها حاسمة، كأنها غارة من المشاعر الحادة والصور التي تستمد عنفها من صمتها المتوتر· في قصة (الجائزة) تكون النهاية بانكسار المفتاح في قفل باب بيت الفائزة قبل سفرها للفندق، أما الفندق الذي يستقبلها لقضاء الليلتين (الجائزة) فقد كان خالياً إلا من رائحة غبار الستائر ! قصص راجي تحمل على أجنحتها الرقيقة ثقل الأسئلة الوجودية العميقة، تقرأها فتمسسك دهشة مراوغة، تحاول الإمساك بخيوطها· يترك الباب مفتوحاً لأسئلة ملتهبة فاغرة كجراح لا شفاء لها، أسئلة تأتي من ظلمة العقل الباطن ووضوحه في آن، وعادة هي اسئلة غير بريئة !وكأنه يكتب اللاوعي واللاظاهر من مسرحية الحياة، والتي هي في الواقع مركز ثقل الحياة ونواتها ! في قصة (البيت السابع) يحكي عن أشياء عادية تحدث في البيوت الستة الأولى، وفي البيت السابع يزحف الرجل الأبيض الأنيق إلى سرير الطفلة النائمة، ومنذ ذلك الحين لم تعد الأجوبة المعدة سلفاً تعني شيئاً!، ولعل هذه الجملة تفيد في معرفة عالم الكاتب، فهو معترض منذ البداية على الأجوبة المعدة سلفاً، ولهذا فكل شيء يثير لديه التساؤل أو يحاول إثارة سؤال عن معنى حتى لأكثر الأشياء بداهة وبساطة، وذلك أنه يطل على الحياة كمراقب غير بريء·
 
رائحة الجنس وآثاره واضحة تماما في القصص، ولكنه ليس الجنس الذي يأتي لإطفاء شهوة والفوز بمتعة، إنه تلك القوة الغامضة المحركة، ولعل أغربها في قصة حديقة الأرجوحة البرتقالية ! هبط الرجل مرتكزاً عى ركبتيه دون أن تلامسا الأرض، ثم حل حزام الغريب وحل أزراره ثم فتح له سحابه، وانزل من عليه بنطاله حتى أسفل ركبتيه ثم أنزل عنه سرواله الداخلي الذي كان كل ثانية يضيق ·· إلخ جنس مثلي في حديقة عامة يحتشد فيها أصناف متعددة من النماذج البشرية التي تبدو عادية جداً ! وفي قصة نوري نجد أن الشاب جار الطفل نوري كان يدعوه اليه في الغرفة ويداعبه في أجزاء عديدة من جسده، وفي المناطق الخلفية المنخفضة بالذات· في قصة نوري نرى أن تطور حياة نوري كله غير طبيعي، وإن كان هذا النمط العادي والمألوف في الظاهر منذ الطفولة المبكرة إلى الإبتدائية فالإعدادية، مرورا بالثانوية والجامعة والوظيفة حتى الموت، تبدأ حياة نوري باعتداء جنسي عليه، ثم يمر بمراحل عدة من الزيف والكذب واستبعاد الحقائق، فتبدو كل حياته مبنية على قاعدة هشة، اساسها غش وخداع وكذب وزيف، إلى أن يموت في الصحراء فتتقاسم جسده الوحوش ! ولعل عبثية الحياة تبرز في قصة (خطة مؤقتة) عن تلك الفتاة التي تقرر الانتحار وتقدم عدة أسباب مقنعة لطليقها بضرورة انتحارها، ولكنها في النهاية، رغم كل الأسباب المقنعة التي تبرر ما هي مقدمة عليه، فقد كانت السيجارة وقهوة الصباح بانتظارها ! فالحياة رغم ما تبدو عليه من تفاهة، ورغم ما فيها من هوان وذل، يفضل الإنسان الاستمرار فيها ! يغلب الطابع التأملي الفلسفي على هذه القصص، وتكمن فيها طاقة هائلة متفجرة من الأسئلة، التي لن تنتظر أجوبة بل وتفضي إلى أسئلة جديدة أكثر حدة، عندما تنتهي من قراءة هذه المجموعة القصصية تقف عارياً متأملاً عند حافة هاوية العدم كذبابة على جرح الحياة ·
 
سهيل كيوان
 
كاتب فلسطيني

Pages