رواية "سفر السرمدية" تعد عملاً إبداعياً رائعاً، يحاول فيه الكاتب عبد الخالق الركابي تقديم نموذج عراقي للرواية ما بعد الحداثية عن طريق مزواجته بين المدى الروائي والمدى اللاروائي وهو الواقع، كما أن المحتوى يدور أو يختزل طابع الحياة العراقية الصميمة.
You are here
قراءة كتاب سفر السرمدية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
* العَنونَة
العنوان، أيّ عنوان، في حقل الجماليات هو إشارة (سيميائية) ذات حِمْل خاصّ، أعني أننا نعدّ البياض أو النقاط كتابةً· وقد تسنى لي قبل عقدين من السنين أنْ أناقش ماهيّة العنوان الفني ووظيفته، وقد سمّيته بـ>النصيص< ولا أزال مع هذه التسمية، لأنّ جوهر العنوان عندي هو أنّه نصّ تجمّد في نقطة اختزال تامّة، بعد أن كان مدّاً من التموّجات يمتدّ من الافتتاح حتى الختام· وأقول بعد أنْ كان مدّاً ولا أقول قبل أن كان، كما تقتضي تراتبيّة وجوده، لأنَّه ما من >عنوان< فعليّ لا افتعاليّ أو قَسْري إلا ويُنْجَز بعد النصّ· ووضعه في المسار النقدي قبل النص جزء من آثار سلطة >الواقع< في الأدب، حيث يسود منطق التراتب العقليّ: الفكرة النص· وعلى أيَّة حال إن نحن أحدثنا ثلمة في النصيص، أمكننا سماع شلال هائل لشظايا الإشارات وهي تنثال، وتتجمّع قادمة من النص، ولكنّ القبض على أنساق هذه الإشارات، كما رتّبت في وجودها الإرغامي، لا يتحقق إلا بين دفتي كتاب ما· >النصيص<، إذن، ليس تعبيراً عن سلطة خارجيّة أوليّة، بل هو أمْر تفرضه سلطة الدّاخل، وإلا عُّد إشارة مُنْتَجَة داخل حدود الوعي كالإهداء تماماً· وهذا هو الذي يجعلنا نعزل >العنوان< عن الموجّهات الخارجية· وننظر إليه كما لو كان قرصاً ليزرياً C.D حيثُ تتجمع في حجم القبضة هذا ملايين الإشارات·
عنوان الرواية >سفر السرمدية< وترجمته كبطاقة معنى(1): كتاب الآن الدائم· وهذا المعنى ينطوي على أقصى ما تبلغه التضادات من لعب في ما بينها، فالسِفر (الكتاب) حاوٍ والحاوي هو كل ما يحد ما يحتويه· ولو أحدثنا ثلمة في ما نسميه حاوياً فإنه لا يعود كذلك· ومحتوى كتاب العنوان وهو السرمدية، يعني الآن الدائم: >الآن< الذي يعني وعي الوجود (لا تذكره - الماضي، ولا تصوّره - المستقبل) و>الدائم< هو المطلق· وها هنا تناقض بين الحاوي (السِفر) وما يحتويه (الدائم)، لأنّ ما يحتويه أوسع منه· فكيف يحتوي حاوٍ ما هو أوسع منه؟ وهكذا لا مناصّ لنا، لتجنّب تحويل التضاد إلى تنافر، من تفسيره بـ(كتاب في المطلق) على نحو ما تشي به الإضافة، وهي التي تنسب الأول (المضاف) إلى الثاني (المضاف إليه) وما دام الدائم (السرمد) لا حدّ له، فإنّ الكتابة تتدحرج فيه إلى ما لا نهاية؛ لأنه لازمها وهو البياض (الفراغ) لا نهاية له (كما أنه لا بداية له) وتلك هي لعبة الرواية ذاتها، تلك هي اللحظة التي تجمّدت فيها تلك الرواية لتكون سِفْراً، وما سنفعله هو إذابة ذلك الجليد، أو على عبارة نقدية تفكيك الوثيقة التي بين أيدينا (سفر السرمدية) أي إعادة بنائها نقدياً·