قراءة كتاب ظل ومرآة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ظل ومرآة

ظل ومرآة

رواية "ظل ومرآة" للكاتبة السعودية نداء أبو علي؛ تدور أحداث الرواية حول شاب سعودي عاش في مجتمعه، ثم سافر لإكمال دراسته خارج البلاد، ليعود إلى مجتمعه بنظرة مختلفة، جعلته لا ينظر سوى للجانب السلبي من مجتمعه...

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
تتذكر تجاهله ارتباكها وارتشافه الصامت لقهوة سوداء وهو يتصفح فيه ملفها وكأنه يقرأ رواية بتململ· بدا عليه بأنه لم يتعب نفسه في قراءة معلوماتها مسبقاً، وبأنه سيقضي جلّ وقت المقابلة يتمحّص في معلوماتها ويعصر عقله بحثاً عن أسئلة صعبة· أكّد لها توقعاتها تساؤله المندهش عن اختصاصها في قسم الصيدلة، وعن سبب اختيارها البحث عن وظيفة في قسم آخر· اضطرت إلى التأفف والبوح بعدم معرفتها لأهداف حياتها في تلك المرحلة العمرية· شعرت وكأن تلك المقابلة بمثابة مسرحية هزليّة، خصوصاً حين قرّر فجأة أن يتوقف عن مساءلتها ليتحدث بأسلوب فكاهي عن نفسه، وعن أسباب اختياره قسم الجغرافيا الذي اعتقد أنه سيدفعه للسفر والتعرّف على ثقافات مختلفة· كانت المقابلة الأسوأ في حياتها سألها فيها عن سبب مكوثها عاطلة عن العمل لما يزيد على العامين· قلبت هي المقابلة لتتحدث عن البطالة والمشاكل الاقتصادية وتفضيل المجتمع لتوظيف الرجال· وأطرى هو على ثقافتها وشجعها على السفر للتخصص في قسم ماجستير في علم الاجتماع أو العلوم السياسية أو أي قسم يستلزم الثرثرة الفارغة· ما زاد من حنقها من تلك المقابلة كان سؤاله الساذج عن حالتها الاجتماعية، زاعماً بأن شركته تفضل النساء العازبات·
 
لم تتمكن من تجاهل طلبه رقم هاتفها الخلوي· استشفت رغبته في أن يكمل معها حديثه عن البطالة والنساء وتحديد الهوية· استهل مكالماته معها بالاعتذار عن عدم وجود وظيفة شاغرة بعد أن تم اختيار أخرى ذات خبرة واختصاص في ذلك المجال· ثم طفق يستدرجها في الحديث حين أخبرها بأن بإمكانه أن يساعدها في البحث عن شركات أخرى· مرّ الوقت ونسيا أن عليهما أن يرسلا سيرتها الذاتية إلى أماكن أخرى· أصبحا يقضيان وقتهما في الثرثرة وانتقاد المجتمع وغفلته والبحث عن منفذ لبث غضبهما ورغبتهما في الهروب والتنفس·
 
الآن وهي في طريقها إلى منزله، تتمنى ألاّ تهاتفها والدتها حين تذهب لزيارته لتسألها أين هي· وحدها والدتها التي تستطيع استشفاف اختلاقها لقصة موبوءة بالكذب· يتهدّج صوتها في محاولة لصرف النظر عما تفعل· لم تكن علاقتها بوالدتها بالاعتيادية خصوصاً وأنها الابنة الوحيدة التي نتجت عن زواج والديها· جاء موت والدها ليجعلها تستبدله بوالدتها التي مثلت دور الأب والأم والأخ والأخت· لا تعزم على إخبارها بما تريد فعله لأنها لا تريد أن تثنيها عما تريد فعله· تشعر بنفسها أشبه بذلك الرجل الذي يستحيل إلى مسخٍ أخضر حين يشتعل غضباً دون القدرة على تمالك أعصابه· الفرق بينهما أنها لا تستحيل امرأةً حمراء حين تغضب وإنما حين تشعر بالملل المشوب بالكآبة، تحاول حينها استبدال الكآبة بمغامرةٍ تسلبها القدرة على التفكير والاتّزان، وتمعن في تقطيع شرايينها لتتفجّر دماؤها كلما شعرت باليأس· تتذكر حين توفّى والدها كيف أضربت عن تناول الطعام وعن الحديث مع غيرها لشهرٍ كامل حتى عانت من ضعفٍ جسديّ ونفسي أشعرها بانعتاقها من ألمها· لم يشف غليلها سوى القفز من سور حديقة منزلها في منتصف الليل· لم تكن تعلم إن كانت ستهشّم رأسها أو تكسّر قدميها أم ستستطيع أن تعود إلى منزلها بشعور خفيّ بالظفر بما أرادت تجريبه· تكرر استحالتها إلى اللون الأحمر حين بلغت في عامها الدراسي الأخير أوج قلقها وتخوفها من إخفاقها في الحصول على علامات عالية في مواد ستحدد مصيرها· قرّرت أن تتجاهل كل ذلك وقضت جلّ وقتها ما بين التسوّق وقراءة الروايات ومشاهدة التلفاز حتى الساعات الأولى من الفجر لتتمكن من نسيان ما يقلقها·
 
هي الآن تمرّ بتلك المرحلة التي تستحيل فيها إلى امرأةٍ متوحّشة حمراء لا تمت للعقلانية بصلة، فهي تخشى انعدام الحب من حياتها ليمتزج مع فشلها في الحصول على وظيفة· أضحت امرأةً بائسة تحقد على العالم على المدى البعيد، أما على المدى القريب فلا تجد إلا رغبة في كسر قوانين مجتمعها بإتيان كل ما تشاء فعله· تنعدم قدرتها على التفكير والاتّزان· لا تتوقف عن التفكير بذلك المختلّ الذي تشكّك في نزاهته وتنسب إليه كل تهمة في استغلال وظيفته لاصطياد الفتيات وابتلاعهن· لا تحمل كلماته أي أفكارٍ مشبوهة، ولا يظهر صوته أي محاولة للكذب· تتساءل عن سبب موافقتها على اقتراحه، على الرغم من شعورها بالذعر مما قد يحدث خلف الأبواب الموصدة· تشعر بأنها وقعت في فخ التأثر بمجتمعٍ ينظر إلى علاقة كل رجلٍ بامرأة وكأنها ارتكاب جنسي فادح· تقلّب في رأسها حديثه وتتخيل نفسها تعيش خارج حدود مجتمعها، لتصبح زيارتها لصديقها مجرد زيارة عادية بغرض التحاور مع أفكاره،· أما هنا، ما بين أسعف النخيل وصحراوية الواقع المتحجر فمجرد التقابل في مكان منعزل يعدّ إثماً فادحاً· تصرّ على أسنانها وهي تعزم على كسر القيود ونبذ كل تهمة تحاول إلصاقها به قبل أن تثبت إدانته·
 
تعلن للسائق رغبتها في الخروج، تلتف بعباءتها وتقرر عدم ارتداء الطرحة يومها، تشعر إن ارتدتها بالازدواجية في معاييرها بظهورها أمام الملأ كامرأة محجبة ثم ذهابها لزيارته في منزله· تصل إلى منزله فترقبه بتجهّم وارتعاد كطفلة مذعورة·

Pages