قراءة كتاب ظل ومرآة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ظل ومرآة

ظل ومرآة

رواية "ظل ومرآة" للكاتبة السعودية نداء أبو علي؛ تدور أحداث الرواية حول شاب سعودي عاش في مجتمعه، ثم سافر لإكمال دراسته خارج البلاد، ليعود إلى مجتمعه بنظرة مختلفة، جعلته لا ينظر سوى للجانب السلبي من مجتمعه...

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
تصيح بذعر وهي تجده يقف منتظراً في حديقة منزله بابتسامة متسعة وبثياب بسيطة مكونة من قميصٍ أزرق وجينز يماثله في اللون· كان قد حرص أن يبقي شعره أشعث متناثراً وكأنه استيقظ للتو من نومه حتى لا يظهر لها اهتمامه بتلك الزيارة· لم يكن يسكن في منزلٍ منفصل عن أسرته، حرص والداه على إبقائه تحت كنفهما كونه الابن الوحيد حتى يتزوج ويستقل بأسرته الجديدة· لم يكن يمانع ذلك، فهو قادر على فعل أي شيء في القسم المنفصل من المنزل الذي صممّاه خصيصاً حتى لا يشعر بالنفور باقترابه منهما· كان كل ما تتمناه والدته هو أن تتمكن من تفقده مرّة في اليوم لاحتضانه والاطمئنان عليه· تهرع كل يوم إلى جناحه المنزوي في الوقت الذي يعود فيه من دوامه، وتحرص على أن تصيح بالخادمة لتطلب منها إعداد المائدة للجلوس على طاولة الطعام كعائلة سعيدة· لا يشعر وكأن أخواته الثلاث كن يعشن في هذا المنزل؛ فقد كان انتقالهن إلى منازل أزواجهن طبيعياً هادئاً· ولم تظهر على والدته أي دلالة على الاستياء والضيق· كان هو نجم الأسرة بلا منازع· أخبره والداه بقبولهما دعوة عشاء أحد الأصدقاء وبأنهما سيتأخران في الخارج· يتشكك في صدقهما خصوصاً وأنهما يختلسان يوم الحب كل عامٍ للخروج لقضاء وقتٍ عاطفي يتذكران فيه أيام عشقهما السابقة· يبتسم بمكرٍ في كل مرّة يرقب فيها احمرار وجنتي والدته حين يسألها إن كانا بالفعل سيزوران أحد الأصدقاء· لا يعلم لماذا لم يصبح مثلهما، رجلاً عاشقاً يجد شريكة لحياته كما فعل والداه اللذان قضيا سوياً ما يزيد على الثلاثين عاماً دون كدر· كل ما يريده في تلك اللحظات هو أن يلقي بشباك سحره على فريسته لتقع في غرامه ثم يعتذر لها ويبوح بأنه يشعر بالملل مرةً أخرى· تصعد خلفه السلالم وهي تتعثر بعباءتها التي شعر بها كقطعة قماش ثقيلة مزعجة· يتجاوزان بهواً متسعاً وصالة جانبية ويتجهان إلى جناحه الخاص· يشعر بنظراتها الزائغة وكأنها تتأمل كهفاً غائراً حرص على تجسيده بطلاء جدران الحجرة بلون أزرق داكن وتقسيمها إلى قسمين، قسم يحوي أريكة ومكتبة وتلفازاً وعدداً كبيراً من الأفلام والأغاني، وقسم آخر يحوي سريراً ومنضدة وحماماً خاصاً· يلحظ محاولاتها تجاهل السرير والنظر إلى الأريكة المتسعة وكأنها تجد فيها ملاذها· يرقب طريدته بابتسامة من يشعر بالتسلية ويطلب منها أن تعطيه عباءتها وهو يقول بصوتٍ مرتفع فكاهي: حيّاك الله يا رنيم· يشير لها بالجلوس على الأريكة ثم يتصل بالخادمة ليطلب منها إحضار العصير فالقهوة· تختار الجلوس في الركن القصي لتبتعد عنه، يبتسم ويتجاهل ذلك ويجلس إلى جانبها بارتياح· يقول محاولاً كسر القلق المتجلّد: أرأيتِ؟ ليس لديّ أي نيّة في استغلالك أو حتى اغتصابك·
 
تضحك بعصبية ويحمرّ وجهها وهو يتلفّظ بما كانت تجزع منه· يجلس إلى جانبها متجاهلاً النظر إلى جسدها· تبدو كإحدى الفتيات اللاتي قضين حياتهن وهن يستمعن إلى تلك الأفكار المسمومة، التي تذكرها برهاب الأماكن المغلقة التي ينزوي فيها رجلٌ وامرأةٌ وحدهما· لم يكن هو ملاكاً فقد حوت تلك الغرفة قصصاً مغمورةً بالعشق واللذّة مع عددٍ لا بأس به من النّساء· لكنّه لم يرغم إحداهن على ارتكاب ما ترفضه· يعشق أن يرمي لهن بنظراتٍ غير مبالية تدفعهن للارتماء على صدره والتوسّل بأن يلتهمهن ويعطيهن شيئاً من الاهتمام الذي يفتقدنه في حياتهن· يبدو عليها وكأنها ستكون فريسةً صعبة المنال· يعشق ذلك النوع من النساء شبه المستحيل، ويهوى الإيقاع به ليدرجه في دفتر مذكراته الذي يطمح أن يقوم بنشره حين تتغضن ملامحه ليكتسب شهرة عالمية بما كان يفعله في شبابه· لن يحاول إغواءها في تلك الليلة، لن يحاول حتى تظهر له استعدادها وإن تطلّب ذلك منه وقتاً طويلاً، فهو ليس على عجلةٍ من أمره·
 
تتجه إلى مكتبته باهتمام، وحين تنظر إلى العدد القليل من الكتب تهتف ضاحكة: لكم أرثي لحال مكتبتك· يجيبها بتململ: أنا يا سيدتي رجلٌ لا يعترف بالكتب القديمة وأجد أن من يكتبها شخصٌ لا يعرف شيئاً من هذه الحياة خارج أسوار منزله· أفضل الصحف، وقراءة الأخبار الطازجة المنعشة دون استطراد وتفلسف· لا أقرأ من الكتب إلا ما يعينني على عملي بين تارةٍ وأخرى·
 
يسمع طرقاً خفيفاً على الباب، يغمغم: لا بدّ أنه العصير أو القهوة· يشير لها بإصبعه بأن تلتزم الصمت ثم يفتح طرف الباب ويأخذ صينيةً محملةً بالعصير والقهوة·
 
يسألها بفكاهة: قهوة أم عصير؟ من الأفضل أن تشربي القهوة أولاً قبل أن تبرد·

Pages