رواية "محمّد صالح وبناته الثلاث- شهربان، وخير النساء، وفاطمة جل" هذه رواية قد تنطبق أحداثها وشخوصها وخطوطها العامة على الكثيرين ممن سكنوا في فرجاننا، وعاشوا معنا في السراء والضراء، وشاركونا همومنا وأحلامنا، وتقاسموا معنا موائد الطعام ومقاعد الدرس وملاعب الل
You are here
قراءة كتاب محمد صالح وبناته الثلاث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
كان الأخير أحد شباب كرمستج ممن هاجر مبكراً إلى مشيخة دبي بحثا عن الرزق، فحقق هناك نجاحا سريعا وصار تاجرا يُشار إليه بالبنان، وعند ذاك قرر أن يبني لأهل قريته، بما أفاء الله به عليه من خيراته، مسجدا·
لم يكتف محمد أمين بذلك· كان حريصا أيضا على أن يرسل بين الفينة والأخرى بعض المال مع هذا العائد إلى كرمستج أو ذاك من أجل بناء أو ترميم مرفق مطلوب، أو حفر بئر للماء النظيف، أو شراء مولد كهربائي لإنارة بعض المنازل والأزقة، وبالتالي إنقاذ أهله وعشيرته من العتمة ومشاكل مصابيح الكيروسين، التي كانت تصبح غير ذي فائدة في حالات تأخر وصول صهاريج الكيروسين من لارستان
نهض محمد صالح، الذي كان والده قد اختار له هذا الاسم المركّب تيمنا باسم الرسول، وانسجاما مع تقاليد عائلات قرى بر فارس العربي وسواحله من أهل السنة والجماعة في اختيار الأسماء المركّبة لأبنائهم الذكور، مثل محمّد صالح، ومحمّد أمين، ومحمّد شفيع، ومحمّد سعيد، ومحمّد رضا، ومحمّد علي، ومحمّد رفيع، ومحمّد شريف، وإن كانت هذه الأسماء تلفظ عندهم مدمّجة أو مختصرة أو مجرّدة من الأحرف العربية؛ كالحاء والعين والصاد والضاد والطاء والقاف، فيتحول لفظها مثلا إلى مَسـّاليه، ومَد أمين، ومَشَّفيه، ومَسَّئيد ومَمَّد رزاء، و مَمَّد ألي ومَعـرَفي ومَشَّريف بالترتيب·
نهض محمد صالح من فراشه متثاقلا· كاد يسقط على الأرض من شدة السهد والأرق والإعياء، لولا أنه أمسك في آخر لحظة بعمود السياج الذي صنعه بنفسه من جريد النخل ليسيج به زاوية من أرض بيته، كي تربي فيها شهربان دجاجتيها المدرتين للبيض·
خاطب نفسه قائلا: ها هو السياج الذي يعود إليه بعض الفضل في إنقاذنا من الجوع، ينقذني الآن من الارتطام بالأرض وتعرض أطرافي للكسر··· حمدا لك يا الله·
مضى محمد صالح بتثاقل إلى دورة المياه· قضى حاجته· غسل وجهه مرارا· توضأ استعدادا لصلاة الفجر التي كان كغيره حريصا على أدائها في مسجد القرية اليتيم·
في المسجد القابع على بعد ثلاثين مترا من بيته، أسند ظهره إلى إحدى الزوايا منتظراً قدوم الإمام محمد شفيع
لم يكن محمد شفيع الأربعيني ذو اللحية البيضاء الوقورة مجرد إمام للمسجد، بل كان أيضا شيخا لقرية كرمستج، حيث كان قد استقر رأي أبناء القرية على تنصيبه شيخاً لهم لما عرفوه فيه من صلاح واستقامة وحكمة ومعرفة غزيرة في شئون الدين والأنساب، وإطلاع كبير على تاريخ ضفتي حوض الخليج، وتبحر في الشِعرين العربي والفارسي· أما بالنسبة لمحمد صالح، فقد كان الرجل أكثر من ذلك·· كان خال بناته الثلاث والرجل الذي يلجأ إليه في الملمات للمشورة والنصح·