لعبة البوح هي الرواية الفائزة بحازة الغونكور، وقد نالت الكاتبة أكثر من جائزة رفيعة في فرنسا.
You are here
قراءة كتاب لعبة البوح
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

لعبة البوح
الصفحة رقم: 10
وعلى خلاف الظاهر في ذلك الكوكتيل النيويوركي، لم تكن لولا هي من أنقذ غلوريا، بل إنها غلوريا التي منحت لولا فرصة إنقاذها الأخيرة· لأن هذه المرأة التي بدت في ذلك اليوم في غير محلها بين المثقفين الذين لا يكفون عن التشدق بالكلام، هذه المرأة القصيرة القامة التي جعلتها سنواتها الأربعون تبدو أكثر اكتنازًا وسط مدعوات نحيفات ومسطحات في أثواب سود ضيقة، كانت في الواقع امرأة متنفذة·
إنها غلوريا باتر من جامعة ميدلوي كنساس، عميدة كلية اللغات الأجنبية، رئيسة العديد من المنظمات الفرنكفونية، والتي مولت في سنوات الستينات تظاهرة نيويورك عن السينما الفرنسية· من لوس أنجلوس حتى نيويورك، كان الجميع يتهافت على غلوريا باتر· أما معطفها القصير، ذو اللون الأحمر القاني الذي كان يسحق قامتها، وقطعة التول التي كانت تشد بها شعرها الذي بات رماديًا، وحلق أذنها الطويل عديم القيمة، فقد ارتدتها بناء على إرشادات من مستشارتها في العلاقات·
اعتبارًا من ذلك التاريخ، أصبحت لولا حاضرة في جميع الأنشطة النسوية التي كانت غلوريا تنظمها، وكانت تحضر بالأخص مؤتمر ميدلوي الذي يعد من أهم تلك الأنشطة· استقرت نسبيا في الولايات المتحدة، وكانت تتنقل من جامعة إلى أخرى، تلقي قراءاتها على النساء، وعلى العارف العظيم أيضًا، الذي كان الرجل الوحيد الذي تذعن الحاضرات للاستماع إليه عرفانا لدعمه لحركتهن· كانت تقرأ بنبرة واحدة، وبصوت واحد· كانت تقرأ دون أن تفهم، فهي من أطلق في الماضي موضة القراءة بلا إدراك· أي أن تقرأ دون أن تبحث عن معنى ما تقرؤه، كما لو كانت القراءة تمرينا لا يمت بصلة إلى النص·
كان ذلك حبها البريء الأول، إلى أن تعرفت على أورور التي قرأت لها لكونها فرنسية أولا، ومن ثم عشقتها لأنها كانت تتحدث عن أفريقيا· كانت غلوريا التي غزت أمريكا تحلم بأفريقيا بدائية لم تزرها، ولا تجرؤ على الذهاب إليها، فالمرأة الأميركية التي في داخلها كانت قد تفوقت على الأفريقية، كانت تشعر بالتجرد أمام الأبعاد السود التي سكنت مخيلتها، أما نسبة لأورور فإن إفريقيا كانت وطنها الأم الذي حدد لها وإلى الأبد لوحة ألوانها وتشكيلة روائحها·
أثناء واحدة من رحلاتها قامت غلوريا وبتطفلها المعروف بمفاجأة أورور في الأستوديو حيث تسكن في باريس، فأصيبت بذهول منعها من اجتياز عتبة الباب الذي اقتحمته عنوة، فلم يدر في خلدها يوما بأن أورور قد لا تكون سوداء·
كانت أورور بيضاء من تلك البيضاوات اللواتي تحولن مع العمر إلى شاحبات مثل ورق شفاف· وكانت غلوريا قد استحدثت داخل قسم الدراسات النسوية، حلقات بحث حول الأدب الافريقي، ودعت أورور عندها بوصفها كاتبة إفريقية، وتلاقت أحلامهما لأن أورور هي أيضا كانت مقتنعة من أن لا بد لأميركا أن تصبح شكلا من أشكال أفريقيا· أما الطلاب فلم يبق لديهم ما يعلّقون به على الموضوع·

