رواية الكاتب البحريني محمد عبد الملك "الإمبراطور الصغير" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2010، نقرأ من أجواء الرواية:
You are here
قراءة كتاب الإمبراطور الصغير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

الإمبراطور الصغير
الصفحة رقم: 3
(2)
قال الإمبراطور الصغير للمندوب السامي:
- لم تنتج المدارس أفراداً مطيعين كما أردنا!
لكن لم يخشوا التعليم وهم قوّة عظيمة؟ هذا ما سيتضح فيما بعد·
وفي مراسلات الإمبراطور الرسمية التي يتبادلها بين بلاد الأرخبيل، وإدارة المستعمرات كثيراً ما أوضح عن خطورة التعليم، فقد كانوا يبدون تخوفهم مما يحدث هذه الأيام من أمور جاءت مع التعليم· لكن لا بدّ من تراب مع الذهب·
كانوا يتحدثون عن المجلس التشريعي، وفي المناجم خاصةً·
فكر الإمبراطور في الطريقة التي تقضي على الزعيم، المحرّك للعمّال والطلبة (والموظفين وصغار التجّار)·
كانت أحداث سياسية إصلاحية تحدث في دول الجوار·
ماذا يريد كل هؤلاء؟ إصلاحاً اقتصادياً· إصلاحاً عاماً· وأن يرفع الإمبراطور يده· كانت البلدان التي تحيط ببلاد الأرخبيل تعلن احتجاجها في وقت واحد· وهذا ما حيّر الإمبراطور وإدارة المستعمرات· وما يحدث هناك يحدث هنا، والمشاكل واحدة ومتشابهة إلى حد كبير فردة الفعل تتشابه، وتأتي على هيئة واحدة في الضغوط، والمقاومة، والتصدّي· الأحداث تزامنت معاً·
الصحف القادمة من بلاد الجوار تطل كل صباح بكتابات تلقي بظلالها على ما يجري· تفضح الاحتلال، وتدخله السافر المباشر في شئون البلاد· تلك إرهاصات عن بحث الأهالي لوسائل تعبير حرموا منها في الداخل· فضح الأهالي الإمبراطور وكشفوا أوراقه في العالم، هو البحث عن مخرج للغضب والرغبة في الإنصاف·
لم تكن هذه الكتابات من وحي الخيال· كانت تصدر من الأهالي أنفسهم، وهم من الطلائع الجديدة التي أفرزها التعليم، وعجنها الإمبراطور، واستوت ونضجت على نيرانهم·
كان الأهالي يعملون في السر، وتوزع منشوراتهم المعارضة، وترسل إلى الصحف والمجلات إلى كل مدن العالم، أحياناً يرسلونها مصوغة جاهزة للنشر، وأحياناً على هيئة بيانات تعبيراً عن رغبة قديمة دفينة، تذكيراً لهذا العالم أن المحنة تزداد ضراوة وأناسها يزدادون بؤساً·
هلع الإمبراطور من قصاصات الأوراق الصغيرة التي ترسل بالبريد أو في يد أشخاص إلى هذه الصحف بانتظام· الكتابات تصل إلى الرأي العام بلغات مختلفة· سارع الإمبراطور بالبحث عن مصدر هذه الأوراق· هل هم عمال مظاهرات القوارب؟ الأهالي المتعلمون؟ التجار الغاضبون؟ أم الجمعيات السياسية السرية التي توزع منشورات في كل المدن والقرى في آن واحد، بين فترة وأخرى؟ أم عمال الذهب؟ البحث الأول لم يسفر عن نتائج· لم يعرف الإمبراطور مَنْ وراء هذه الهجمة الخارجية، ومَنْ وراء المنشورات السرية الداخلية، والبلبلة التي تنتشر وتتصاعد كل يوم؟ هناك أشخاص يهاجمون الإمبراطور في المجالس المفتوحة، ويعرضون مطالبات مشابهة لما ينشر في الجرائد العربية، وما يذكر في المنشورات· يقفون وراءها إذن! أو أنهم من الدائرة نفسها؟ تتبعوا هذه الأسماء· حققوا معها· طاردوها· وضعوها بعيدًا عن إطار التعليم· وفصلوا مدرسين آخرين من الأهالي لإبعاد الكيروسين عن النار!
- وماذا بعد؟
(رحّلوا الإمبراطور!) كتبت المنشورات السرية التي توزع في الليل·
الوجه القبيح· الوثن المتحرك في كل شبر في البلاد، في كل دائرة حكومية، في كل مظاهرة أو احتجاج، أو عندما يأمر بإطلاق الرصاص أثناء تجمع الأهالي واعتصاماتهم، وهو يختفي وراء أي قرار سياسي، أو صحي، أو بوليسي·
كان الإمبراطور الصغير هو رمز الإمبراطورية وتجسيمها الهائل، وهيئتها المنفرة· مَنْ جالسوه قالوا إن رائحة كريهة تصدر من جسده·
عندما أرسل الزعيم وعمّال المناجم إلى المنفى حدث ذلك على يد الإمبراطور· .والإمبراطور هو الذي رفض مطالبات الأهالي بإعادتهم، وهو الذي ألغى مجلس الأهالي وطارد مظاهرات البر والبحر· وهو الذي قتل عمّال المناجم في هبّتهم الشهيرة·
ظل الناس يتذكرون الإمبراطور الصغير وهو يسير ·· الإمبراطور الصغير وفي يده عصا، وفي خصره مسدس، ومن خلفه شرطة مسلحون· يتصرف مثل سيد مع عبيده· يأمر مَنْ لا يقف أثناء مروره وهو يراقب الدوائر والوزارات، ويعتقل ويطلق الرصاص· ويقود الشرطة في الشوارع والأسواق، وبين عمّال الذهب·