رواية حارس الأوهام الرمادية؛ للكاتب البحريني جمال الخياط؛ الصادرة عام 2000 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائها:
أنا الآن تعب ، ومهموم · هكذا أشعر في هذه اللحظة الخرافية بصدق ·
You are here
قراءة كتاب حارس الأوهام الرمادية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

حارس الأوهام الرمادية
الصفحة رقم: 2
أنا القذارة ذاتها ، أعترف بذلك ، وبمنتهى الصراحة · لا أجيد لباقة الكلام واحتراف النفاق مثلكم ، وتجنح عيناي دائماً للمحظور ، حتى لو كان يخصكم · كل ذلك صحيح ، ولكن ينبغي عليكم أن تتحملوا بعضاً من سيئاتي كما تحملت على مدى السنين الطويلة خطاياكم السيالة في حقي ، وحق عائلتي المفككة ، التي أتبرأ منها علانية في كل المناسبات · أصدقاء كالنمل ليس بمقدورهم أن يتحفوني بمبيت ليلة يتيمة ·
أحدكم قدم لي عرضاً بشعاً ، اقترح بسفالة أن أشغل دورة المياه الاحتياطية بمنزله الجديد، وعندما وافقت على الفور اندهش في البداية ثم تنصل من عرضه السخيف دون خجل· علل انسحابه بأن الأمر مجرد دعابة خرجت لكي تلطف من حرارة المناقشة الساخنة · أنتم تعلمون لماذا لم يتسلقني الغضب الثائر ، ولماذا انهزمت دموعي كسيرة إلى المآقي مهزومة · أنتم أقدر الناس على فهمي ، وإغضابي ، وإرغامي ، وسكوتي أيضاً·
ألتهم البرياني بسرعة خيالية ، وأترك قطعة اللحم الممرقة وحيدة على الصحن الدسم· يرمقني عامل المطعم الآسيوي بازدراء وهو ينظف الأرز المتناثر بوحشية على الطاولة الخشبية ، قال كلاماً كثيراً لم أفهمه ، تولى زبون غيور ترجمته وهو خارج من المطعم :
- أنه يأكل بوحشية ثور ، حتماً هذا الهائج ليس آدمياً ·
لم يأتي هذا الحقير بجديد ، فهذه طبيعتي البدائية في تناول الطعام ، أبتلعه كما لو كنت أهرب من مشاركة أحدهم · هذه واحدة من عدة خصال ذميمه أتميز بها ، وينفر الجميع من التعامل معي كإنسان · هذا الحقير يتحاشى المرور أمام طاولتي بعد أن تبادل المهمة مع العامل الذي يقوم بإخراج الطلبات من المطبخ الصغير الذي يعج بجحافل الفئران والصراصير ·
لم يدرك المسكين سلبيتي ، وجبني الواضحين · لابد أنه يندرج تحت فصيلتي النادرة حتى تمنعه إرادته من نهري أو قذفي خارج المطعم · لقد قيل عني الكلام الكثير ، أقسى من ثرثرته المقتضبة ، وفي وجهي مباشرة ، وباللغة التي أفهمها ، ومن أشخاص يفوقونه حقارة وتفاهة ، ومع ذلك لم أحرك ساكناً · كل ما قدرت على فعله هو خفض الرأس ، والتهام الإهانة ، كالمعتاد·
مع ذلك حاولت تصنع الغضب هذه المرة ، على سبيل التمرد · طلبت شاياً بتذمر بعد أن ضربت الطاولة بقوة · حضر على الفور العامل الذي يجلس على طاولة المحاسبة وهو يكاد ينفجر من الغضب ، وقال بلهجة حازمة لا تناسبه :
- لا مزيد من الطلبات ، نحن لا ننشد المشاكل ، أخرج بمنتهى الهدوء ولا ترينا حطام وجهك القذر مرة أخرى ·

