كتاب "بعد خراب الحافلة"، بين دفتَيْ هذا الكتاب حكاياتٌ غريبةٌ لرجلٍ غريبٍ صار تمثالاً بعدما انقطعتْ به السُّبل طويلاً في محطَّةٍ لم تعدْ تأتي إليها الحافلات· وكان في أثناء انتظاره الطويل الطويل يتسلَّى بسرد حكاياته تلك على مسامع العابرين، أو بنقشها على قاعد
You are here
Books by Subject
Best Views
Newest
قراءة كتاب بعد خراب الحافلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
وجود
اليوم؛ بينما كنت مستسلماً لخدري مع الآخرين، مرتاح البال، وهادئاً، اهتزَّ هيكلي فجأةً ـ لسـببٍ ما ـ ووجدتني أسند رأسي قليلاً، وأتسـاءل: أين نحن·· وماذا حدث لنا بالضبط؟!
بالطبع، لم أتمكَّنْ من الإجابة؛ ليس فقط لأنَّ الذاكرة خانتني، لكنْ أيضاً لأنَّني كنت في حيرةٍ مِنْ واقع وجودنا نفسه؛ فنحن ـ على سبيل المثال ـ نتحادث على نحوٍ يكاد يكون موصولاً (ولو أنَّ كلامنا، على الأغلب، لا معنى له، وأشبه ما يكون بحديث الأشباح)؛ ومع أنَّنا لا نزال نتناول بعضَ الوجبات، ونتخلَّص مِنْ فضلاتها المتكوِّنة في هياكلنا الشاحبة، إلاّ أنَّنا لا نتنفَّس، ولا ننمو، ولا يسري الدم في عروقنا، على الإطلاق !
لذلك، رحت اليوم ـ بعدما اهتزَّ هيكلي ـ أتساءل بحيرةٍ: ما الَّذي تعنيه تلك المؤشِّرات الغريبة، المتناقضة؟!
لكنَّني لم ألبثْ أن استدركت، في محاولةٍ منِّي لبثِّ الطمأنينة في نفسي: يكفي أنَّنا موجودون·· بدليل أنَّنا نحار ونتساءل !
ثمَّ أضفت: هذا، بحدِّ ذاته، أمرٌ إيجابيٌّ·
إلاّ أنَّ حيرتي لم تنتهِ، مع ذلك، وظللتُ أناقش الأمر مع نفسي، وأنا مستلقٍ، ساعاتٍ وساعات، مِنْ دون أنْ أتوصَّل إلى حلٍّ لهذا اللغز· لكنَّني ما أنْ تمكَّنتُ مِنْ تحريك رأسي، قليلاً، والنظر إلى ما حولي، حتى رأيت الحفرةَ العميقةَ المعتمةَ التي نحن فيها؛ وعندئذٍ أيقنتُ أنَّنا أموات·· أمواتٌ منذ زمنٍ بعيد !